أقول: هذه الأقوال وهذه المسالك التي سلكها أهل العلم للتوفيق بين هذه الروايات هو للجمع والتوفيق بين النصوص، وقد يسلك ما هو أقل من ذلك لرفع التعارض، فمنهم من يقول: إن الله -جل وعلا- أخبر نبيه بالخمس والعشرين أولاً ثم زاد تفضلاً منه -جل علا- على عباده المحافظين على الجماعة بالدرجتين، يعني هل يقال نظيره في من اقتنى كلب غير ما استثني ينقص من أجره كل يوم قيراط، وفي رواية: قيراطان، هل نقول: إنه أخبر أولاً بالقيراط ثم أخبر بالقيراطين زيادة في التشديد؟ احتمال، وقد قيل بذلك، وإن قال بعضهم: إن نقص القيراط لمن اقتناه في البادية، ونقص القيراطين لمن اقتناه في الحاضرة، تبعاً للأثر المترتب على هذا الاقتناء، والضرر المترتب عليه.
على كل حال أهل العلم يسلكون مثل هذه المسالك للتوفيق بين النصوص، المراد من الحديث واضح وهو بيان مزية صلاة الجماعة على صلاة الفذ، وصلاة الفذ وإن كانت صحيحة مسقطة للطلب، مجزئة وفاضلة بنص هذا الحديث إلا أنه لا يمنع من إثم من ترك الجماعة لوجوبها، فلا يمنع أن يجتمع في العمل الإثم والأجر لانفكاك الجهة، كمن صلى وبيده خاتم ذهب، نقول: صلاتك صحيحة، والأثر المترتب عليها ثابت، وهو آثم في لبسه خاتم الذهب أو عمامة الحرير، أو ما أشبه ذلك، فمن أقوى ما يستدل به من يقول بوجوب صلاة الجماعة عيناً يعني على الأعيان، ونعرف المراد بالأعيان لأن بعض الناس من العامة أو بعض المبتدئين قد يظن أن المراد بالأعيان الوجهاء، نعرف أن الواجب ينقسم إلى وجوب عيني ووجوب كفائي، بمعنى أنه لا يعذر فيه أحد إذا كان واجباً عينياً، وليس المراد بذلك أنه واجب على الوجهاء كما يتصوره البعض، من أقوى الأدلة على ذلك حديث أبي هريرة الذي يلي هذا.