الحفظ الحفظ يا معاشر الإخوان فإنه لا علم إلا بالحفظ، وسوف تحمدون العاقبة -إن شاء الله تعالى- إذا تقدمت بكم السن وضعفت الحافظة، أما من فرط وسوف وأطال الأمل وقال: سوف يحفظ، سوف يعتني هذا يفوته خير كثير، ويفوته زمن الحفظ؛ لأن الحافظة -كما يقرره جماهير أهل العلم- كغيرها من القوى، تضعف، يضعف السمع، يضعف البصر، تضعف الحافظة أيضاً وهذا شيء مشاهد، وإن كان الماوردي في أدب الدنيا والدين يقول: إن الحافظة لا تتغير، فحافظة الشخص في أول عمره مثل حافظته في آخره، لكن المؤثرات على هذه الحافظة هي التي تجعل الإنسان يضعف حفظه، لكن الملكة لا تتغير، إذا كبر كثرت مشاغله، كثرت الصوارف، فضعف الحفظ بسببها وأما الحافظة فلا تضعف، لكن هذا الكلام يرده الواقع، يرده الواقع.
لو افترضنا أن شخصاً عمره عشرون وآخر عمره ستون وجعلنا لكل واحد -لكل منهما- من الظروف ما يناسب، بل يساوي ظروف الآخر، نجد أن الصغير يحفظ أكثر، هذا إذا كانا في درجة واحدة، لا شك أن الحفظ يتفاوت من شخص إلى آخر، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، فقد ضرب المتقدمون في الحفظ أروع الأمثلة فمنهم من يحفظ مائة ألف، ومنهم من يحفظ ثلاثمائة ألف، ومنهم من يحفظ ستمائة ألف، ومنهم من يحفظ أكثر، ومنهم من يحفظ أقل، والله المستعان، ولا أحب أن أطيل عليكم؛ لأن القصد الكتاب الذي هو موضوع هذه الدروس.
والشرح سوف يكون باختصار -بل باختصار شديد يناسب الوقت-؛ لأننا لو بسطنا الشرح وجعلنا كل حديث في درس -وإن كان البسط يحتمل أكثر من ذلك- لاحتجنا إلى مائة وخمسين دورة لننهي هذا الكتاب، وإذا اختصرنا وأوجزنا، وذكرنا ما لا بد منه لفهم الحديث والاستنباط اليسير، ومن خالف هذا الحديث فإننا -بإذن الله تعالى- في عشر دورات ننهي الكتاب على الطريقة المختصرة.
ونحيل بالشرح المبسوط المطول على المكتوب، الذي نرجو أن يخرج قريباً، وليس معنى هذا قريب أنه السنة هذه أو التي تليها، كما سمع بعض الإخوان وأشغلونا بالمكالمات والكتابات، وإنما هو من باب كل آت قريب، كل آت قريب ولو بعد، {ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ} [(17) سورة النساء]، من تاب قبل الموت فهو من قريب، الله المستعان.
فنقرأ في الكتاب سم.