مسلم -رحمه الله تعالى- لم يترجم للكتاب، ترجمه الشراح وهو فقه الشراح، أبو داود ترجم تراجم دقيقة، النسائي ترجم بعلل دقيقة، ابن ماجه أيضاً فقهه في تراجمه أيضاً ظاهر، الترمذي كذلك، فعلى كل حال من حفظ هذه المختصرات بين يدي تلك المطولات فعليه بالمطولات، ولا يعني هذا أننا نقلل من شأن حفظ مختصرات الكتب الأصلية كمختصر البخاري أو مختصر مسلم وما أشبه ذلك، لا، معاذ الله، هذا جهد طيب ويشكرون عليه، ولن يحرمهم الله الأجر، ومن سن هذه السنة يرجى أن يكون له أجرها وأجر من عمل بها.
بعد يأس طويل من أهل العلم وطلابه، يئسوا أن يتطاولوا إلى هذه الكتب، وأن يحاولوا حفظها، همم الناس منذ قرون اقتصرت على هذه المختصرات، وإنما تُقرأ المطولات من أجل الفائدة والبركة، لكن ما تجد من تتجه همته وعنايته إلى الصحيح، وقد وجد ولله الحمد في هذه الأيام من وصل في الحفظ إلى المستدرك الآن، هذا شيء يبشر، يبشر بخير عظيم، لا سيما إذا اقترن هذا العلم بالعمل؛ لأن العمدة في العلوم الشرعية ما قاله الله وقاله رسوله -عليه الصلاة والسلام-.
علينا أن نعتني بتراجم الأئمة لا سيما البخاري كما ذكرت، وأصحاب السنن، وهذه التراجم هي التي ميزت هذه الكتب عن المسانيد، وجعلتها في المرتبة دونها؛ لأن صاحب الكتاب المرتب يترجم بحكم شرعي، فيذكر تحت هذه الترجمة أقوى ما يجد، أما صاحب المسند فإنه يترجم باسم صحابي فيذكر تحت ترجمته ما وقع له من أحاديث هذا الصحابي، بغض النظر عن درجتها، ولذا جعل أهل العلم المسانيد دون السنن في المرتبة، لذا يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:
ودونها في رتبة ما جعلا ... على المسانيد فيدعى الجفلا
كمسند الطيالسي وأحمدا ... وعده للدارمي انتقدا
يعني ابن الصلاح لما عد الدارمي في المسانيد انتقد؛ لأن الدارمي الموجود سنن، وليس بمسند -مرتب على الأبواب- اللهم إلا إن كان ابن الصلاح يقصد المسند الذي ذكره الخطيب في ترجمته حينما قال: له المسند والجامع، يمكن، فلا استدراك.