يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- إحدى صلاتي العشي" والعشي: ما بعد الزوال إلى غروب الشمس، وصلاتا العشي هما: الظهر والعصر، هما الواقعتان بين زوال الشمس وغروبها "إحدى صلاتي العشي" إما الظهر وإما العصر، كما في بعض الروايات، وجاء الجزم بأنها العصر في رواية عند مسلم "صلى إحدى صلاتي العشي" وهما رباعيتان "ركعتين" صلى الظهر أو العصر ركعتين "ثم سلم -عليه الصلاة والسلام-" لو لم يحصل مثل هذا منه -عليه الصلاة والسلام- كم يتحسر المسلم مما يعتريه من سهو؟ وكم يتقطع قلوب أهل الحرص أساً لما يعتريهم في صلواتهم من غفلةٍ وسهو؟ حصل هذا من النبي -عليه الصلاة والسلام- لأمور: منها: أن تبين الأحكام من خلال هذه القضايا، ومنها: التسلية، الإنسان يسلي نفسه بأن النبي -عليه الصلاة والسلام- سها، كما أنه يسلي نفسه بأن النبي -عليه الصلاة والسلام- نام عن صلاة الصبح حتى أيقظه حر الشمس، لكن ليس معنى هذا أن يكون ديدن الإنسان السهو والغفلة، ولا يستحضر ولا يقبل على صلاته، أو ينام عن الصلوات ويقول النبي -عليه الصلاة والسلام- نام، لا، لكن إذا حصل في العمر مرة، مرات يسيرة مع الحرص الشديد، والاحتياط التام لأعظم العبادات يتسلى بذلك، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- صلى الرباعية ركعتين.
"ثم سلم، ثم قام إلى خشبة في مقدم المسجد فوضع يده عليها" في بعض الروايات: "فشبك بين أصابعه" فدل على أن التشبيك بعد الصلاة لا بأس به، بينما التشبيك قبل الصلاة مكروه؛ لأنه في صلاة ما دام الصلاة تحبسه "فوضع يده عليها وفي القوم أبو بكر وعمر فهابا أن يكلماه" من شدة تعظيمهما له -عليه الصلاة والسلام- "هابا أن يكلماه، وخرج سُرعان الناس" سُرعان: بضم السين أو بفتحهما سَرَعان، وسُرْعان وسُرُعان الناس، وهم أهل العجلة، الذين يستعجلون في الخروج من المسجد ولكل قومٍ ورث، يوجد من الناس مجرد ما يسلم الإمام تجده في الأبواب، ((والملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه، ما لم يؤذِ، وما لم يحدث)) ثم هذا الحرص على الخروج من المسجد إلى أين؟ إلى مشاكل الدنيا وأكدارها التي طبعت عليها.