طلاب العلم في السنوات الأخيرة بدؤوا وارتفعت هممهم إلى حفظ ما هو أعلى من هذه الكتب، وهو ما يسمى بحفظ الصحيحين والسنن، والمقصود بذلك المتون؛ لأنهم يحفظون من المختصرات المجردة الأسانيد، ومن غير تكرار، فإطلاق الصحيحين على هذه الكتب تجوز، وهي همة لا شك أنها تشكر؛ تنبئ عن حرص وصدق، صدق عزيمة في الطلب، لكن في هذه الكتب -كتب أحاديث الأحكام- ما لا يوجد في الصحيحين مما يحتاجه طالب العلم.
فلو ابتدئ الطالب بحفظ الأربعين؛ لأنها أحاديث جوامع كلية، ثم حفظ العمدة؛ لأن أحاديثها صحيحة، ثم ثلث بالبلوغ، ثم حفظ ما شاء من الكتب.
ويسأل كثير من الأخوة الذين يريدون الحفظ من الصحيحين، هل يبدأ بالبخاري ثم يأخذ الزوائد أو ما زاده مسلم على البخاري أو العكس؟ وبعضهم ممن بدأ بالحفظ في بداية هذه النهضة المباركة -أعني نهضة حفظ السنة- بدؤوا بصحيح مسلم، وأخذوا زوائد البخاري عليه، وما ذلكم إلا لما عرف من دقة مسلم وتحريه في سياق المتون، ثم أخذوا زوائد البخاري عليه.
لكن يبقى هل دقة مسلم تختلف عن دقة البخاري في تحري اللفظ النبوي أو هو منهج واحد؟
في تصوري أن المنهج لا يختلف؛ لأن كلاً من الشيخين يجيز الرواية بالمعنى، كل منهما يجيز الرواية بالمعنى، فكون الإمام مسلم يعتني ببيان صاحب اللفظ بدقة، ويذكر فروق الرواة بالحرف، لا يعني هذا أن اللفظ الذي ساقه هو اللفظ النبوي؛ لاحتمال أن يكون التابعي رواه بالمعنى عن الصحابي، والصحابي رواه بالمعنى عن النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن مسلم إنما يبين فروق روايات شيوخه غالباً، فمن فوقهم كل منهم يحتمل أنه رواه بالمعنى؛ لأن من مذهبه جواز الرواية بالمعنى وهو قول جمهور أهل العلم.
فإذا قال الإمام مسلم -رحمه الله تعالى-: حدثنا قتيبة بن سعيد ويحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة، واللفظ لابن أبي شيبة مثلاً، إذاً رواه الاثنان بالمعنى.
عرفنا أن هذا لفظ أبي بكر بن أبي شيبة أو لفظ قتيبة فيما نص عليه الإمام مسلم، لكن من يضمن لنا أنه اللفظ النبوي؟ لاحتمال أن يكون الصحابي رواه بالمعنى، فيستوي في ذلك مع البخاري.