بعد ذلكم السنن، بعد هذه الكتب في المرتبة تأتي السنن، كسنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، ابن ماجه سادس الكتب على خلاف بين أهل العلم، فمنهم من يجعل مكانه الموطأ كرزين في تجريد الأصول، وابن الأثير في جامع الأصول، ومنهم من يجعل سادس الكتب الدارمي، لكن الأكثر تبعوا ابن طاهر في الأطراف وفي شروط الأئمة في جعل السادس ابن ماجه؛ لكثرة زوائده على الكتب الخمسة.

ثم تتابع التأليف والتصنيف إلى أن ضعفت الهمم، فاحتاج الناس إلى الاقتصار على المتون، وضاقوا ذرعاً بالأسانيد؛ لضعف الحافظة، وفتور الهمم، وكثرة الشواغل والصوارف، فكل ممن ألف في هذه المختصرات المجردة المسانيد اتخذ له منحىً خاصاً به فمن أهل العلم من ألف في الفضائل، ومنهم من ألف في الأحكام، ومنهم من ألف في المغازي، ومنهم من ألف في التفسير المأثور وهكذا، وحذفوا الأسانيد؛ تخفيفاً على الطالبين واقتصروا على بيان الدرجة، وبعضهم أخل بهذا أيضاً.

وكانت العهدة تبرأ -يبرأ منها الشخص- بذكر الإسناد في أول الأمر؛ لأن من يتصدى لطلب الحديث في أول الأمر كان المفترض فيه أن يعرف هذه الأسانيد، فإذا سيق الخبر بإسناده برئ من يسوقه من العهدة، ثم بعد حذف هذه الأسانيد لا بد من بيان درجة الحديث، وهذا أولاه الحافظ عندنا في الكتاب عناية تليق بمقام الكتاب.

في العصور المتأخرة لا تبرأ العهدة بذكر السند؛ أولاً: لضعف معرفة طلاب العلم بالرجال والأسانيد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015