نظير هذا عند أهل العلم عند أهل الحديث تعارض الجرح والتعديل، يقولون: الجرح مقدم على التعديل؛ لأن الجارح معه زيادة علم خفيت على المعدل، لكن إن أمكن نفي ما ادعاه الجارح بطريق صحيح قدم قول المعدل، لو قال: فلان ضعيف لأنه فاسق، شرب الخمر في يوم كذا في مكان كذا، ثم قال المعدل: لكنه تاب، أو قال: هو في اليوم المدعى فيه والمكان المدعى فيه أنا كنت ملازماً له ما شرب، فهل نقول: المثبت مقدم على النافي، أو نقول: تعارضت البينات؟ لكن لو قال: هو فاسق؛ لأنه قتل فلاناً يوم الخميس، فجاء المعدل وقال: أنا رأيت فلاناً الذي ادعي قتله يوم الجمعة، أمكن النفي بطريق صحيح، وحينئذٍ لا يلتفت إلى قول الجارح، ونظير هذا في الدعاوى، الأصل براءة الذمة، فإذا تكافأت البينات هل يقال مثلاً: أن هذا مطلوب منه البينة وأحضرها ويكفي، فلا نلتفت إلى المدعى عليه مع بينته، أو نقول: إنه في الأصل جانبه أقوى، فيزداد قوة ببينته على دعوى المدعي، وهنا ما يسمى بالخارج والداخل، المدعى عليه بيده العين المدعاة، والمدعي ليست بيده العين المدعاة، وتعارضت بينة الداخل الذي بيده العين المدعاة، والخارج الذي هو المدعي، الحنابلة يقدمون بينة الخارج، والجمهور يقدمون بينة الداخل، الحنابلة يقولون: المدعى عليه أصلاً ما يكلف ببينة، إنما الذي يكلف بالبينة .. ، وما دام ما كُلف بها لا يُنظر إليها، والمدعي هو المكلف بالبينة، فهي محل النظر والاعتبار، لكن المدعى عليه يكلف إذا أنكر باليمين، ومن المعلوم أن البينة أقوى من اليمين، بدليل أن البينة جعلت في حق الأضعف، واليمين جعلت في حق الأقوى، فإذا جاء بالبينة وهي أقوى من اليمين كان أدعى لقبول قوله، وبهذا قال الأكثر أنها تنظر بينته، ويحكم له بها، ويكون جانبه أقوى.

"وللبيهقي بإسناد صحيح: ((البينة على المدعي، واليمين على من أنكر)) " الذي في الصحيحين: ((ولكن اليمين على المدعى عليه)) ومعلوم أنه إنما تطلب يمينه إذا أنكر، أما إذا أقر فلا حاجة إلى يمينه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015