وفي تفسير الرازي الكبير يورد الشبه قوية جداً، ويجيب عنها بضعف، فهل نقول: إن من مقصده تقرير هذه الشبه؟ لأنك إذا أردت أن تقرر شبهة، أو أردت أن تقرر ما في نفسك مما تميل إليه، وتتوجه إليه، وترجحه تجليه بأقوى ما تستطيع من أدلة وبيان، وتجلب عليه بكل ما أوتيت من حجة، ثم قد تورد ما يمكن إيراده عليه، فلا تأتي بأقوى الإرادات ليقتنع القارئ أنه لا يوجد أقوى من هذه، وحينئذٍ يحكم بما قررت، وينساق وراءه، والإنصاف والعدل أن الإنسان إذا ساق الأقوال بأدلتها أن يورد أقوى ما يجد في الطرفين؛ لأن هذا أسلوب يسلكه بعض المقلدة، تجده يورد المذهب الذي يذهب إليه، ويميل إليه، مذهب إمامه، ويورد أقوى الأدلة لهذا الإمام النقلية والعقلية، ثم يقول، يذكر القول الثاني، ويذكر أضعف ما عنده من حجج.
إذا اقتنع القارئ بمثل هذا الكلام، وتوقف عليه، ما تعداه إلى الكتب الأخرى التي يجلى فيها القول الثاني من أصحابه وأربابه فإنه سوف يقتنع، ومثل هذا لو أورد مذاهب، وأحياناً ترجح الأقوال بالنظر إلى قائليها، قد لا تكون الحجة واضحة في الطرفين، لكن قد ترجح الأقوال بالنظر للقائلين، فلو قال: ذهب مالك والشافعي إلى كذا، ودليلهم كذا، وذهب فلان يعني ممن لم يشتهر بعلم، لو كان منصفاً قال: ذهب مالك والشافعي، وذهب أحمد وأبو حنيفة، هذا لو كان منصف، لكن ما يذكر أحمد وأبو حنيفة في الطرف الثاني، تجده يذكر شخص غير معروف بعلم، وغير مشهور، أنت إذا وجدت هذا الشخص غير المشهور بالعلم في مقابل مالك والشافعي ماذا تقول؟ لا شك أن ترجيح القول باعتبار القائلين ملحظ عند أهل العلم، يعني لو كان القول قوياً لقال به غير هذا الشخص، لكن لضعفه لم يقل به إلا هذا الشخص، مع أنه معروف في المذاهب الأخرى، لكنه من باب الهجوم على العقول حتى تذعن لما يلقيه الإنسان.