هذا الحديث فيه كلام لأهل العلم، حديث علي: ((إذا تقاضى إليك رجلان فلا تقض للأول حتى تسمع كلام الآخر)) معناه صحيح، لكن فيه كلام، في ثبوته كلام، وله شاهد، ولذا احتاج الحافظ أن يورد له شاهداً من حديث ابن عباس عند الحاكم.
((حتى تسمع كلام الآخر، فسوف تدري كيف تقضي)) يعني إذا مشى القاضي على هذه المقدمات المرسومة الشرعية يعرف كيف يقضي، لكن إذا كان يتخبط مرة يسأل المدعي، ومرة يسأل المدعى عليه، مرة يرد على المدعي، ومرة لا يلتفت إلى المدعى عليه، مثل هذا ما يمكن أن يقضي بين الناس، لكن إذا اتخذ هذه الطريقة والوسيلة الشرعية لإثبات الحقوق فإنه سوف يدري كيف يقضي.
قال علي: "فما زلت قاضياً بعد" استمر في القضاء على هذه الطريقة، "فما زلت قاضياً بعد" رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه، وقواه ابن المديني، وصححه ابن حبان، وله شاهد عند الحاكم من حديث ابن عباس يصل به إلى درجة الحسن، ومعناه على كل حال صحيح.
قال -رحمه الله-: "وعن أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنكم تختصمون إلي)) " تتنازعون، فيدعي بعضكم على بعض ((ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته)) يعني أبلغ بالحجة وبيان ما يريد ((ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض)) ولا شك أن التعبير له دور، حسن التعبير له دور في جلاء الحق، كما أن ضعف العبارة قد تغطي شيء من الحق، ولذا جاء في الحديث: ((إن من البيان لسحراً)) فالبيان مؤثر، لا شك أنه مؤثر، فالحق قد يعتريه سوء تعبير، أحياناً إذا أردت أن تمدح شيئاً لا سيما إذا كنت من أهل البلاغة والفصاحة جعلته بمكانة أعلى من مكانته الحقيقية، بخلاف ما إذا كنت في الفصاحة والبلاغة أقل فإنك قد لا توفيه حقه، كما قالوا في العسل:
تقول: هذا جنى النحل تمدحه ... وإن شئت قلت: هذا قيء الزنابير