كلف الجن والإنس بعبادته، ومعلوم أن التكليف إلزام ما فيه كلفة ومشقة أحياناً، وإن كان الدين يسر، لكن فيه تكاليف، فيه ما لا تهواه النفوس، حفت الجنة بالمكاره، لكن هل هذا لأن الله بحاجة إلى صلاة المرء أو إلى صيامه، أو إلى قيامه، أو إلى جهاده، ليس بحاجة، وإنما هو من أجل مصلحة الإنسان نفسه، العبادات والتكاليف إنما شرعت من أجل الإنسان نفسه ((يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً)) والعكس ((ما نقص من ملكي شيئاً)) لكن هذه التكاليف .. ؛ لأنه قد يقول قائل: هذا الرسول -عليه الصلاة والسلام- قام حتى تفطرت قدماه، ألا يمكن أن يقول قائل: إن الله عن تعذيب الرسول نفسه لغني؟ يمكن أن يقال، لكن هذه تكاليف، هذه لها أصول شرعية، مأمور بها، ما تدخل في مثل هذا الذي ابتدعه الإنسان من تلقاء نفسه، ونجد بعض المبتدعة يخرجون عما حده الله، وعما شرعه، يتعدون ما أوجب الله عليهم، الله -جل وعلا- عن تعذيبهم أنفسهم غني، لكن الذي له أصل في الشرع ما يقال فيه مثل هذا، وإن كان فيه مشقة على النفس، وهذه المشقة في الظاهر، وعند من لم يعتد هذا الأمر، وإلا فالرسول -عليه الصلاة والسلام- يرتاح بهذه الصلاة التي تفطرت قدماه فيها، وهي في الحقيقة ليست بمشقة ولا كلفة، والدين يسر، وهو يتلذذ بمثل هذا الفعل.
صيام الهواجر الأيام الشديدة الحر، يعني من الناحية النظرية الإنسان الذي لم يعتد مثل هذا الأمر يقول: كيف؟ هذا تعذيب، انتظر يا أخي حتى يعتدل الجو، لكنه يتلذذ بهذا، وكم من شخص من سلف هذه الأمة بكى عند موته، ما الذي أبكاه؟ لأنه أفقد المال والأهل؟ لا، يبكي على صيام الهواجر، وقيام الليالي الشاتية، هل نقول: هذا تعذيب؟ أبداً؛ لأن هذا مشروع جاء الشرع به، لكن ما لم يأت به شرع، ويكلف الإنسان هذا الله -جل وعلا- عن تعذيب الإنسان نفسه لغني.