هناك أحاديث مثل ما أخرجه أبو داود من حديث رجل من الأنصار، قال: خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سفر، فأصاب الناس مجاعة شديدة، وجهد فأصابوا غنماً فانتهبوها، فإن قدورنا لتغلي، إذ جاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على فرسه، فأكفأ قدورنا، ثم جعل يرمل اللحم بالتراب، وقال: ((إن النهبة ليست بأحل من الميتة)) هل هذا فيه إصلاح؟ إصلاح لمال الغير أو إصلاح للنفس؟ ما تصلح نفسك على حساب غيرك، فرق بين ما جاء في هذا الحديث وبين ما جاء في حديث الباب، كونك تسعى لإصلاح غيرك هذا مطلوب، بما لا يترتب عليه ضرر أعظم منه، فمثلاً إذا وجدت منزل صاحبك أو جارك يحترق، ثم اجتهدت وجئت بالماء الكثير الغزير فأغرقت هذا البيت، نفترض أن الذي احترق مكتبة، ثم أغرق هذه المكتبة وتلفت الكتب، والنار قد تبقي شيء، الماء أضر على الكتب من النار؛ لأن ما يبقى من الكتب النار لا تمنع من الاستفادة منه، لكن إذا كان ماء خلاص انتهى الكتاب، انتهى، لا يمكن أن يستفاد منه، فينظر الإنسان ويوازن بين المصالح والمفاسد المترتبة على عمله، وبين ما يتعدى ضرره، وما يكون ضرره قاصر، المقصود أن مثل هذه الأمور لا بد من إدراكها إدراكاً تاماً، وإلا لو أخذنا هذا الحديث أصل، وطردناه في كل ما يظن فيه الإصلاح لدخلنا في أمور قد يكون ضررها أعظم من نفعها، ولذا النبي -عليه الصلاة والسلام- أكفأ القدور مع أنهم بحاجة ماسة إلى هذا اللحم، أصابتهم مجاعة، كل هذا من أجل حسم المادة؛ لئلا يتصرف أحد في مال غيره، كثيراً ما يفعل بعض الشباب إذا خرجوا لنزهة فبحثوا عن شيء عن ذبيحة يأكلونها ما وجدوا أحد، وجدوا غنم، قالوا: نذبحها ونأكلها بنية الضمان، إذا جاء صاحبها نعطيه القيمة، يجوز وإلا ما يجوز؟ ما يجوز، لا يجوز بحال.
من خشي على نفسه الهلاك فوجد مال غيره، إذا وصل إلى حد لا يستطيع معه البقاء، فإنه حينئذٍ يأكل، اختلف العلماء في الضمان هل يضمن أو لا يضمن إذا أكل؟ يعني إذا وصل إلى حد الهلاك، أما مجرد حاجة، أو مجرد تفكه، يحتاجون إلى شيء من اللحم، ومعهم ما يأكلون غيره، فهذا لا يجوز بحال.