فأحكام الصيد تختلف، قد يضطر إليه الإنسان فيجب عليه، قد لا يضطر إليه، لكن يحتاجه فيكون الحكم فيه دون الحكم في الصورة الأولى، وقد يكون لمجرد المتعة مثلاً كما يفعله كثير من الناس، ليسوا بحاجة إلى الصيد، عندهم ما يقتاتونه القدر الزائد على كفايتهم، وكفاية من يمونون، ثم يخرجون إلى الصيد، والإكثار منه مذموم؛ لأنه يبعث على الغفلة، ومن تتبع الصيد غفل عما هو أهم منه.
وقد يحرُم إذا ألهى وشغل عن واجب، وكثير من الناس إذا خرج في رحلة صيد ينسى بعض ما أوجب الله عليه، فضلاً عن السنن والمندوبات والمستحبات، حتى الذكر ينسى، والصلاة تؤخر عن أوقاتها؛ لأن هذا الصيد المتبوع يستدرج الإنسان، يستدرجه، يطير من شجرة إلى شجرة، ثم يتبعه ولا يشعر حتى يخرج وقت الصلاة، وحينئذٍ يكون في هذه الصورة محرم.
الآلة التي يصاد بها: إما أن تكون حيواناً جارحاً، من كلب أو طائر ونحوهما، أو تكون آلة محددة تنفذ في جسم الصيد بحيث يخرج بسببها الدم المحتقن فيه.
من النوع الأول: الحيوان الجارح حديث أبي هريرة، الحديث الأول في الباب، وما يليه.
يقول المؤلف --رحمه الله- تعالى-: "عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من اتخذ كلباً)) " من اتخذ (كلباً) نكرة في سياق الشرط، تعم جميع أنواع الكلاب؛ لأن بعض الناس يقول: هناك فرق بين كلب مؤدب معلم -يعني لغير الصيد- لأن هناك أماكن تبيع الحيوانات المؤدبة المعلمة التي إذا احتاجت لقضاء الحاجة ذهبت إلى مكان قضاء الحاجة، موجود حتى في أسواق المسلمين موجودة، ويبيعونها، يبيعون الكلاب، ويبيعون القطط وغيرها، مع أنه جاء النهي عن ثمن الكلب، وعن ثمن السنور، وعن ثمن .. ، ويستوي في ذلك هذا الكلب المؤدب، يعني لغير الصيد وغيره من الكلاب؛ لأنه نكرة في سياق الشرط فتعم إلا ما استثني.
((من اتخذ كلباً إلا كلب ماشية)) يعني يحرس الماشية من الذئاب والسباع، ومن السراق ((أو صيد)) يصطاد به ما يحتاج إلى أكله، (صيد) هذا هو الشاهد من الحديث للباب ((أو زرع)) يحفظ الزرع ممن يعتدي عليه، ويفسده، ويسرق منه ((انتقص من أجره كل يوم قيراط)).