بعد هذا حديث "أبي إمامة بن سهل -رضي الله تعالى عنه- قال: كتب معي عمر إلى أبي عبيدة -رضي الله تعالى عنهم أو عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الله ورسوله مولى من لا مولى له، والخال وارث من لا وارث له)) رواه أحمد والأربعة سوى أبي داود، وحسنه الترمذي، وصححه ابن حبان". وهذا الحديث شاهد للذي قبله في توريث الخال، وتوريث ذوي الأرحام، فكونه -عليه الصلاة والسلام- مولى من لا مولى له هل يقتضي ذلك أن يرث الرسول -عليه الصلاة والسلام- من لا وارث له، ويقوم مقامه ولي الأمر ممن يقوم بأمور المسلمين، ويصرف شؤونهم؟ وهذا يعبر فيه عن بيت المال، وقد أخرج أبو داود وصحح ابن حبان حديث: ((أنا وارث من لا وارث له، أعقل عنه وأرثه)) وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يصلي على من في ذمته دين، لما فتح الله عليه صار يسدد الديون ((فمن ترك من مالٍ فلورثته، وما كان من دينٍ فعليّ)) والغنم مع الغرم، وما دام ولي الأمر ملزم بتسديد ديون من يموت وعليه دين فكذلك هذا الغرم فالغنم أن يكون الإرث له، يعني لبيت المال، ما دام التسديد من بيت المال فالإرث لبيت المال، هذا ما يدل عليه الحديث، لكن ((والخال وارث من لا وارث له)) فتحمل الجملة الأولى على أن بيت المال ((الله ورسوله مولى من لا مولى له))، ((أنا وارث من لا وارث له))، تحمل على حالة ما إذا عدم أصحاب الفروض والعصبة وذوو الأرحام، أما إذا وجد منهم أحد فإنه يرث من مات من أقربائه، ولذلك قال بعد ذلك: ((والخال وارث من لا وارث له)) لأنه قد يقول قائل: كيف يكون هذا التعارض؟ يفهم منه أن هذا التعارض ما دام أن المال يودع في بيت المال والخال وارث من لا وارث له يكون جمعنا بين القولين المتنافيين، القول بأن ذوو الأرحام يرثون، والقول بأنهم لا يرثون، نقول: بيت المال يرث في حال ما إذا عدم الورثة من أصحاب الفروض والعصبات وذوي الأرحام، أما مع وجود أي نوع من هؤلاء فإنه لا يرث ولا يودع فيه أموال هذا الميت؛ لأنه وجد من يستحقه شرعاً من أصحاب الفروض أو العصبات أو ذوي الأرحام، ولذلك جمع بين الأمرين معاً في هذا الحديث ((الله ورسوله مولى من لا مولى له)) مقتضى هذه أنه يرثه، ويعقل