"فيسلم هذا ويهلك هذا –والعكس- ولم يكن للناس كراء إلا هذا" ما كان الناس يعملون في الأراضي إلا على هذه الطريقة، بهذا الشرط "فلذلك زجر عنه" نهى عنه لهذه العلة "فأما شيء معلوم مضمون فلا بأس به" شيء معلوم مضمون من أجر بالذهب والفضة، أو من جزء معلوم مشاع من جميع الأرض، يكون لطرف والباقي للطرف الثاني، بأن يكون مشاعاً، جزء معلوم مشاع، يعني جزء معلوم قدره ربع ثلث نصف، ومشاع لا يتعلق بجهة معينة من الأرض، فهذا لا باس به "رواه مسلم" يقول المؤلف: "وفيه بيان لما أجمل في المتفق عليه من إطلاق النهي عن كراء الأرض" هذا الحديث مبين ومفسر للأحاديث التي فيها النهي عن كراء الأرض، والنهي عن المزارعة، والنهي على هذا يتنزل، إذا اشترط صاحب الأرض جهة معينة يغلب على ظنه أن غلتها تكون أكثر تمنع، وإذا قال: على النصف على الربع وأطلق وقبل العامل انتهى الإشكال، ليشتركا في الغنم والغرم، من أهل العلم من حمل النهي على أول الأمر، لما هاجر الصحابة من مكة إلى المدينة صاروا بحاجة إلى عمل، وليس لديهم ما يعملون به، تركوا أهلهم وأموالهم لله -جل وعلا-، تركوا وطنهم وأموالهم لله -جل وعلا-، فجاءوا إلى المدينة وهم بحاجة إلى عمل يعملونه يتقوتون منه، فنهى عن كراء الأرض، وأمر بأن يزرع صاحب الأرض أرضه بنفسه أو يدفعها لمن يزرعها بدون مقابل، يعني يحسن بها الأنصاري على أخيه المهاجر ليستفيد منها، فنظراً لحاجتهم نهى عن كراء المزارع سواء كان بالنسبة أو بالذهب والفضة، نهى عنها مطلقاً ليستفيد المهاجر الذي ترك ماله لله -جل وعلا-، فمراده بالنهي الإحسان على المهاجرين من قبل الأنصار.

ولمثل هذه الظروف تصدر بعض الأحكام، وقد نهى النبي -عليه الصلاة والسلام- عن ادخار لحوم الأضاحي، ثم أباح ذلك، وبين أنه إنما نهى من أجل الدافة، قوم قدموا إلى المدينة لحاجة شديدة، فلو ادخر الناس لحوم الأضاحي ما صار لهؤلاء شيء يأكلونه، فأراد النبي -عليه الصلاة والسلام- ألا يدخر الناس بل يعطوا هؤلاء المحتاجين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015