فهذا دليل على جواز المزارعة والمساقاة، فعاملهم على شطر ما يخرج منها، العلماء يختلفون في حكمها، يختلفون في حكم المزارعة نظراً لما جاء فيها من الأحاديث المتعارضة، فمنعها جمع من أهل العلم، وأباحها آخرون، ولكل دليله، فأحاديث المنع تمسك بها من قال بعدم الجواز، وأجابوا عن مثل هذا الحديث الذي هو من أدلة القائلين بالجواز، أجابوا عن هذا بقولهم: إن أهل خيبر لما فتحها النبي -عليه الصلاة والسلام- عنوة صاروا ملكاً له كأرضهم، فيعطيهم من ثمرتها ما شاء، ويأخذ ما شاء، وليس هذا عقد لازم بين طرفين، لا، وإنما هؤلاء ملك للنبي -عليه الصلاة والسلام- فيعطيهم منها ما شاء، ويأخذ ما شاء، لكن الأصل أن مثل هذا عامل أهل خيبر، يعني عاقدهم على العمل بها بشطر ما يخرج منها، أجرة لهم، بشطر ما يخرج منها من ثمرة أو زرع، متفق عليه.
فكون الأرض تدفع لمن يزرعها على أن يتفق الطرفان على جزء معلوم مشاع مما يخرج هذه الصورة لا إشكال فيها، وهي من أقرب الصور إن لم تكن أقرب من المضاربة، بحيث يأخذ العامل المال، ويعمل فيه الثاني ببدنه ويكون الربح بينهما، وقد تقدم الكلام فيها، هذا يدفع الأرض والثاني يعمل في هذه الأرض، وتكون الثمرة بينهما، أو على ما يتفقان عليه، على أن يكون الشطر المتفق عليه، أو الأجرة المتفق عليها جزء مشاع من الثمرة، جزء معلوم مشاع، إيش معنى معلوم؟ يعني يقال للعامل: لك النصف، لك الربع، لك الثلث، ويرضى بذلك، ويكون مشاعاً من جميع ما تنتجه المزرعة لا من جهة بعينها، ما يقال للعامل: لك النصف، النصف الذي ينتجه النصف الشمالي، ولصاحب الأرض ما ينتجه النصف الجنوبي، مثل هذا قد يكون فيه ضرر على الطرفين، قد يسلم هذا ويهلك هذا، فيتضرر هذا ويربح هذا، وقد يسلم هذا ويهلك هذا ويكون العكس، هذا هو الذي نزل عليه أهل العلم ما جاء من النصوص التي تمنع من المزارعة والمساقاة، أما إذا قيل للعامل خذ هذه الأرض وازرعها على أن يكون لك النصف أو الثلث أو الربع مما تخرجه من الثمرة، فيكون معلوم بالنصف بالربع بالثلث، ويكون أيضاً مشاع، ليس بنتاج جزء معين من الأرض، فعلى هذا تحمل النصوص.