المقصود هم نظروا إلى العلة، فإذا ارتفعت ارتفع معها الحكم، لكن العلل التي تكون بهذه المثابة هي العلل المنصوصة، أما العلل المستنبطة فشأنها غير هذا، نعم لها أثر لكنه لا يصل إلى ارتفاع الحكم بارتفاعها، قالوا: لأنه إذا سأله حضري أن يفوض له بيعه بسعر يومه على التدريج لم يحمله ذلك على موافقته، فلا يكون سبباً للتضييق، بخلاف ما إذا سأله أن يبيعه بأغلى فالزيادة ربما حملته على الموافقة فيؤدي إلى التضييق.
يعني مسألة التدريج لا أثر لها إلا إذا ترتب عليها زيادة في السعر، لو قدم البادي بمائة تنكة من السمن، وسيمت بالجملة، التنكة بألف ريال أو خمسمائة ريال مثلاً، بخمسمائة ريال، أو بألف، بما تستحقه جملة، وجاء حاضر، وقال لهذا البادي: دعني أبيعها لك على التدريج بهذا السعر، هذا ما في تضييق على الناس، فارتفعت العلة، ويبقى أن الملحوظ فيما لو باع البادي، الملحوظ التاجر الذي يشتريها جملة، فإذا باعها مفردة اكتسب وانتفع، والملحوظ في عرض الحاضر على البادي أن يبيعها بنفس السعر على التدريج، الملحوظ المستهلك، ولا شك أن المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة.
قالوا: وأن يكون البادي جاهلاً بالسعر؛ لأنه إذا علمه لم يزده الحاضر على ما عنده، يكون جاهل بالسعر، أحياناً يكون البادي ومن في حكمه أشد في السعر من السعر الحقيقي المتداول في السوق، ضربنا مثال بالأمس بالكتب مثلاً، يرد بها الورثة إلى المكتبات أو إلى أسواق الحراج فيبيعونها بثمن بخس، افترضنا أن هذا الولد الوارث يسمع عن المخطوطات أنها عالية الأقيام، فيرد بكتابه فيقول: هذا الكتاب بعشرة آلاف، وهو ما يستحق إلا ألف، مثل هذا لو بيع له بالثمن المعتاد العلة منتفية وإلا غير منتفية؟ منتفية.
وأن يكون البادي جاهلاً بالسعر؛ لأنه إذا علمه لم يزده الحاضر على ما عنده؛ ولأن النهي لأجل أن يبيعوا للناس برخص، وهذا العلة إنما توجد إذا كانوا جاهلين بالأسعار، فإذا علموا بالأسعار فلا يبيعون إلا بقيمتها، كما يبيع الحاضر، فبيع الحاضر حينئذٍ بمنزلة بيعهم، وهذا الشرط للمالكية والحنابلة.
ومع ذلك فقد أطلق الخرشي النهي سواء أكان البدوي جاهلاً بالأسعار أم لا.