((لا تلقوا الركبان)) يعني حتى تصل هذه السلع مع ركبانها -مع جلبها- إلى السوق، والنهي عن تلقي الركبان ينظر فيه إلى الجالب –الراكب- وينظر فيه أيضاً إلى مصلحة أهل السوق؛ لأن المتلقي هذا يريد فائدته فقط، بغض النظر عن فائدة الجالب وبعض النظر عن فائدة أهل السوق، فيشتري هذه السلعة من هذا الجالب قبل أن يعرف الجالب ما تستحقه من قيمة وبعض النظر عن مصلحة الجالب، ثم يبيعها بالسوق، فلا يستفيد لا الجالب ولا أهل السوق، والشرع نظره إلى المصالح، مصالح جميع الأطراف، والمصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة، فيترك الجالب والركبان إلى أن يصلوا إلى السوق، فإذا وصلوا إلى السوق وعرفوا الأقيام والأسعار، ثم باعوا على بينة وعلى بصيرة سواء كان بسعرها أو بأقل، وحينئذٍ ينتفع الناس كلهم، ولا يتضرر الجالب؛ لأنه إذا تلقي والسلعة تستحق ألف، ثم قال هذا المتلقي: سلعتك لا تستحق إلا خمسمائة، ووثق به الجالب، تضرر الجالب، فهل يبيعها هذا المتلقي في السوق بخمسمائة وخمسين، أو ستمائة وهي تستحق ألف؟ يبيعها بألف، وحينئذٍ يتضرر الجالب ولا يستفيد أهل السوق، لكن إذا جلب صاحب السلعة من البادية، أو من القرى ببضاعته، ثم وصل إلى السوق وعرف أن هذه السلعة تستحق كذا باعها بما تستحق أو بنازل يسير واستفاد من يشتري منه، دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض، أما أن يحصل الضرر الكبير بالجالب أو بأهل السوق فلا، وهذا هو سبب النهي عن التلقي.
التلقي من أين يبدأ؟ من خارج السوق أو من خارج البلد؟ أو المسألة مربوطة بما يعرف به السعر؟ يعني لو جاء واحد جلب عليكم بضاعة ووقف بطرف الدمام وسأل كم تسوي هذه؟ ما يدرون، يدرون كم تسوى؟ حتى ينزل إلى السوق الذي هو محل البيع والشراء؟ نعم؟ المقصود ألا يتلقى قبل المكان الذي يعرف به الثمن، ويرتفع به الغرر، يعني لو قبل السوق بشارع واحد، وسأل، نعم، هذا شخص معه سمن، أو صل إلى شارع قبل سوق السمن، شارع كله اتصالات وأجهزة وسألهم ما يدرون لا يجي بألف ولا ريال، يحصل به العلم بالسعر؟ ما يحصل به حتى يصل إلى المكان الذي يعرف به السعر بحيث لا يغبن.