المقصود أن المعارضة بين قوله: ((ينهيانكم)) وبين قوله: "ومن يعصهما" وقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((بئس خطيب القوم أنت)) ظاهرة؛ لأنه جمع -عليه الصلاة والسلام-، فإما أن يقال: إن له أن يفعل ذلك -عليه الصلاة والسلام- دون غيره وهذا وجيه؛ لأنه النبي -عليه الصلاة والسلام- أعلم الناس بربه، وأتقاهم وأخشاهم له، بينما غيره ليس بهذه المنزلة، والدليل على ذلك أنه وجد في الأمة من ينتسب إلى الأمة المحمدية من جعل النبي -عليه الصلاة والسلام- بمنزلة الله -جل وعلا-، وصرف له جميع حقوق الرب -عز وجل-، وجد، فلا يمنع من أن يتطرق إلى ذهن المتكلم مثل هذا الأمر، ومثل هذا إذا وجد مثل هذا الاحتمال تحسم المادة، بينما النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو أعلم الناس بربه وأتقاهم وأخشاهم له لا يمنع من أن يجمع ضميره إلى ضمير الله -جل وعلا-، وإذا قيل بالقول الثاني أن الخطابة تحتاج إلى بسط له وجه أيضاً، وهو مرجح عند جمع من أهل العلم.
((إن الله ورسوله حرم)) معروف في الأعراب (إن) حرف توكيد ونصب، واسم الجلالة لفظ (الله) -جل وعلا- اسمها منصوب، والواو عاطفة، ورسوله معطوف عليه منصوب، وحرّم فعل وفاعل، والمفعول بيع الخمر، والجملة من الفعل والفاعل وما بعده خبر (إن)، وهذا من باب الاكتفاء وإلا فالأصل أن يقال: إن الله حرم ورسوله حرم.
(نحن بما عندنا وأنت ما عندك راضٍ)
التقدير نحن بما عندنا راضون، وأنت بما عندك راضٍ، فاكتفي بأحدهما عن الآخر لعدم اللبس، وجاء في بعض الطرق: ((إن الله حرم)) دون عطف للرسول -عليه الصلاة والسلام- عليه، وفي بعض الروايات وهي في غير الصحيحين: ((إن الله ورسوله حرما)).
((بيع الخمر)) الخمر كل ما خامر العقل وغطاه من أي مادة كان، كل ما يخامر العقل ويغطيه خمر عند جمهور العلماء، وعند الحنفية لا يطلق الخمر حقيقة إلا على ما اعتصر من العنب فقط، والجمهور على أن كل مسكر خمر، كل ما يغطي العقل خمر، والمرجح في هذا قول الجمهور؛ لأن الآيات نزلت في تحريم الخمر بالمدنية، وليس فيها إلا التمر، ليس فيها عنب، فدل على أن الخمر يطلق على ما يعتصر من العنب، وعلى ما يعتصر ويستخلص من غيره حقيقة، وهذا قول الجمهور.