هذا جزء من حديث جابر الطويل في صفة حج النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((نحرت هاهنا)): وهذا من التوسعة على الناس، من شفقته -عليه الصلاة والسلام- ورحمته بأمته، ولو لم يقل مثل هذا الكلام -عليه الصلاة والسلام- لتحرى الناس النحر في المكان الذي ينحر فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو لا يستوعب الناس، ولو لم يقل مثل هذا الكلام لتحرى الناس المكان الذي وقف فيه النبي -عليه الصلاة والسلام- سواء كان بعرفة أو بجمع، والمكان إن قصدوا نفس المكان فهو لا يستوعبه، قد يقتتلون عليه، لكن من شفقته -عليه الصلاة والسلام- أن قال مثل هذا، ((نحرت هاهنا ومنىً كلها منحر)) يعني مكان للنحر.
((فانحروا في رحالكم)): كل إنسان ينحر هديه في رحله في مكانه الذي أقام فيه بمنى، وهذا من التوسعة على الناس، وكونه يمنع مثل هذا ويجبر الناس على النحر في مكان معين لا شك أن الداعي إليه مراعاة المصلحة؛ لأنه مع كثرة الناس وازدحامهم لا شك أن الناس يتأذون بهذا، الإنسان ما يجد مكان يجلس فيه فكيف ينحر والدم يسيل والمخلفات وأمور، وينبعث منها روائح في اليوم الثاني والثالث، فمع الكثرة لا يتسن هذا ولذا رأى القائمون على هذه الأعمال تحديد أماكن للنحر، ولا بأس فيه؛ لأن المنظور فيه إلى المصلحة.
((ووقفت هاهنا)): كما وصف جابر -رضي الله تعالى عنه- أن بطن دابته إلى الصخرات، ومستقبل القبلة -عليه الصلاة والسلام-.
((وعرفة كلها موقف)): نعم، بحدودها، ومعروف أن الحج عرفة، فإذا وقف الإنسان في مكان لا يجزم بأنه في عرفة، فهذا يعرض حجه للخطر والبطلان، فعليه أن يتأكد أنه داخل حدود عرفة، وليرفع عن بطن عرنة؛ فلا يجزيء الوقوف فيه عند جماهير أهل العلم، ولذا جاء قوله: ((وارفعوا عن بطن عرنة))، وإن كان هناك قول للإمام مالك أنه من عرفة والوقوف فيه يجزئ مع التحريم فهو من عرفة، ولو لم يكن من عرفة ما احتيج إلى الإشارة إليه، ما قال: لا تقفوا في مزدلفة ولا تقفوا بمنى؛ لأنها ليست من عرفة، لكن المرجح هو قول الجمهور، عامة أهل العلم على أن بطن عرنة ليس من عرفة.