ثم شرع في الطواف فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً: الرمل الإسراع، الهرولة ثلاثاً: يعني ثلاثة أشواط، وإذا حذف التمييز جاز التذكير بالتأنيث، فرمل ثلاثاً، والرمل سنة؛ وسببه أن المشركين في عمرة القضاء قالوا: يأتي محمد وأصحابه وقد وهنتهم حمى يثرب، وجلس المشركون مما يلي الحجر، فرمل النبي -عليه الصلاة والسلام- الشوط الأول والثاني والثالث، ثم يمشي بين الركنين؛ لأن المشركين لا يرونهم، وليس في هذا مراءات وإنما هي إغاظة للكفار: {وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ} [(120) سورة التوبة]، هذا من إغاظتهم، فهو مشروع.
يقول: حتى إذا أتينا البيت استلم الركن: والبيت: المراد به الكعبة وتحيتها الطواف، والمسجد أوسع، وتحيته الركعتان.
حتى إذا أتينا البيت استلم الركن فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً: ولم يمنعه -عليه الصلاة والسلام- من الرمل في الأشواط السبعة إلا الإبقاء عليهم؛ لأنه بعد السفر وبعد التعب شاق، فيشق على بعضهم، والنبي -عليه الصلاة والسلام- نبي الرحمة، نبي الرأفة يعز عليه ما يشق على أمته، ولذا ندم على دخوله البيت؛ لئلا يشق على أمته -عليه الصلاة والسلام-.
والسبب والباعث والعلة في مشروعية الرمل قول المشركين، ارتفع هذا السبب بعد ذلك، فهل ارتفع الحكم؟
لا، لمَّا جاء النبي -عليه الصلاة والسلام- في حجة الوداع رمل ثلاثة أشواط، لكن بدلاً من أن يمشي بين الركنين استوعب الأشواط الثلاثة بالرمل، وهذا هو الفرق، وهذا في أول طواف، الرمل يشرع في أول طواف بعد ما يقدم الإنسان، ويكون معه الاضطباع: بأن يخرج منكبه الأيمن، ويجعل طرفي الرداء فوق منكبه الأيسر.
مشى أربعاً ثم نفر إلى مقام إبراهيم: مقام إبراهيم، ويطلق على المكان الذي قام فيه، كما أنه يطلق على الحجر الذي في هذا المكان.
وهل السنة متعلقة بالمكان أو بالحجر؛ لأن الصيغة مقام تشمل المكان كما هو الأصل الذي قام فيه، والحجر الذي قام عليه، فهل الحكم مرتبط بالحجر أو بالمكان؟
في وقته -عليه الصلاة والسلام- الحجر في مكانه ملاصق للكعبة، ثم أبعد عنه قليلاً في زمن عمر -رضي الله تعالى عنه- فهل الحكم متعلق بالمكان والمقام يتناوله أو هو متعلق بالحجر؟