وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا صام من صام الأبد)) وهذا المشروط عند أهل العلم يحتمل وجهين: أنه خبر، أو دعاء، أنه دعاء زجر له على صنيعه ((لا صام من صام الأبد)) يعني لا مكنه الله من الصيام دعاء عليه، من صام الأبد، والثاني أنه خبر، أن هذا لم يصم، وإن أمسك عن الطعام والشراب إلا أنه لم يصم الصيام الشرعي.
ولمسلم من حديث أبي قتادة: ((لا صام ولا أفطر)) وعند الترمذي: ((لم يصم ولم يفطر)) لا هو بالذي صام صيام يرجى ثوابه، ولا هو بالذي أفطر مع الناس واستمتع بما أنعم الله عليه به، صام ولا أفطر، لم يصم ولم يفطر.
يقول ابن العربي: "إن كان معناه الدعاء فيا ويح من أصابه دعوة النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإن كان خبر فيا ويح من أخبر عنه النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه لم يصم، وعلى الوجهين صيام الدهر مذموم".
منهم من يحمل هذه النصوص على من صام الدهر بالفعل بجميع أيام العام بما في ذلك ما نهي عن صيامه كالعيدين وأيام التشريق، بدليل أن سرد الصوم ما فيه إشكال، النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يصوم حتى يقال: لا يفطر، وكان يفطر حتى يقال: لا يصوم، وأيضاً جاء في حديث حمزة السابق: ((إني أسرد الصوم)) فحمل النهي هنا على من صام الدهر صياماً حقيقياً الدهر كله، ولم يستثنِ من ذلك الأيام التي نص على تحريم صومه كالعيدين والتشريق، أما من صام بقية الأيام مما لم ينص على المنع منه، فهذا لا يتناوله النهي، وعلى كل حال فالنبي -عليه الصلاة والسلام- ثبت عنه أنه يصوم ويفطر ((أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وآكل اللحم، وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني)) فالذي يصوم الأيام كلها ولو أفطر الأيام المحرمة رغب عن سنة النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإن كان الباعث له على هذا الرغبة في الخير، لكن مجرد الرغبة لا تكفي ما لم يكن هناك اتباع، وظاهر الأخبار كما قال طائفة من أهل العلم يدل على تحريم صيام الدهر، ومنهم من قال: إذا أفطر الأيام التي يحرم صيامها لا إشكال فيها، وعلى كل حال: أفضل الصيام، إذا كان الإنسان يبحث عن الأجر فأفضل الصيام صيام داود، يصوم يوماً ويفطر يوماً.