بالأكل والشرب في رمضان عند الحاجة إلى ذلك، المقصود أن كلاً من الدليلين يعتريه ما يعتريه من أجوبة الفريق الذي لا يستدل به؛ فالحنابلة أجابوا عن حديث ابن عباس بأنه فيه إثبات للحجامة أثناء الصيام، لكن ليس فيه ما يدل على الاستمرار في الصيام. وحديث شداد بن أوس أجاب عنه الجمهور بأنه منسوخ، ومنهم من قال أن معنى قوله: في حديث شداد: ((أفطر الحاجم والمحجوم)). أنه آل أمرهما إلى الفطر. أو يؤول أمرهما إلى الفطر. بمعنى أن الحاجم احتمال أن ينساب إلى جوفه شيء من هذا الدم الذي يمصّه الحاجم، والمحجوم احتمال أن يؤول حاله إلى الفطر؛ لأنه يضعف باستخراج الدم؛ فالمسألة مسألة مآل، هذا كلام من لا يحتج بهذا الحديث على أساس أن الحجامة تفطر الصائم، وللطرف الآخر أن يقول هذه مظنة للفطر، مظنة للفطر كون الشخص حاجم أو محجوم مظنة للفطر، وقد تنزل المظنة منزلة المئنة كما يقولون، كما أن النائم ينتقض وضوءه والأصل أن الناقض ما يخرج أثناء النوم وليس النوم نفسه، بدليل أن النوم إذا لم يكن مستغرق لا ينقض الوضوء، فهو مظنة للنقض، وكذلك الحجامة مظنة للنقض نزلت منزلة الناقض، وأخذت حكمه، لكن لو افترضنا أن حاجماً احتجم بالآلات الحديثة بحيث لا يباشر مص الدم، ينطبق عليه الحديث أو لا ينطبق؟ هو حاجم على كل حال، هو حاجم على كل تقدير، لكن المظنة التي علق عليها الحكم لا توجد، وقد يوجد في المحجوم من القوة وغزارة الدم بحيث لا تؤثر فيه الحجامة؛ فالمسألة مبناها على غلبة الظن، وغلبة الظن أن الحاجم يفطر بما ينساب في جوفه وأن المحجوم يفطر بسبب الضعف الذي يعتريه من جراء الحجامة. والأصل أن الإنسان صام بيقين، فلا يرفع حكم هذا الصوم بمجرد كون المذكور مظنة؛ لأن الأمر مشكوك فيه، هل يؤول أمره إلى الفطر أو لا يؤول؟ كما أن العمل المرهق يؤول بصاحبه إلى الفطر، يعني شخص يعمل طول النهار في أيام الصيف وهو صائم. هذا يؤول به الأمر إلى الفطر، فهل نقول أن مثل هذا يفطر؟ لكن هذا يختلف عما ورد فيه النص، وحديث شداد مصحح عند جمع من أهل العلم وإن لم يكن في الصحيحين، فالمسألة ينتابها ما ذكرت، والجمهور على أن الحجامة لا تفطر، وأن حديث شداد بن أوس منسوخ