في آخر الدرس الماضي تكلمنا عن أحاديث الحجامة وفي الباب ذكر الحافظ ثلاثة أحاديث، حديث ابن عباس أن النبي -عليه الصلاة والسلام- احتجم وهو محرم. واحتجم وهو صائم. وهذا الحديث مخرج في الصحيح، وخرج أيضاً حديث شداد بن أوس ذكره الحافظ بن حجر في كتابه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أفطر الحاجم والمحجوم)). وهذا الحديث عند أحمد وأصحاب السنن وهو مصحح من قبل جمع من أهل العلم، هذان الحديثان تكلمنا فيهما وعرفنا مواقف أهل العلم وأن الجمهور يرون أن حديث ابن عباس ناسخ لحديث شداد، وعلى هذا عامة أهل العلم، حديث ابن عباس متأخر؛ لأنه جاء في بعض طرقه ما يدل على أنه في حجة الوداع، وحديث شداد بن أوس في عام الفتح، فهو متأخر عنه، ولذا قرر جمهور أهل العلم ونص على ذلك الإمام الشافعي، رأى أنه ناسخ، وأيدوا النسخ بحديث أنس وهو الحديث الثالث في المسألة، عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: ((أول ما كرهت الحجامة للصائم أن جعفر بن أبي طالب احتجم وهو صائم، فمرّ به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أفطر هذان، ثم رخّص النبي -صلى الله عليه وسلم بعد في الحجامة للصائم، وكان أنس يحتجم وهو صائم)). [رواه الدارقطني وقواه]. الدارقطني يقول رجاله كلهم ثقات ولا أعلم له علة. لكن حكم جمع من أهل التحقيق بضعفه، وأنه منكر. يبقى في المسألة حديث ابن عباس وحديث شداد، هما أقوى ما في المسألة. حديث ابن عباس أقوى الحديثين؛ لأنه مخرج في الصحيح، فمن رجح بالقوة وهو قول الجمهور رأى أن الحجامة لا تفطر الصائم، من رأى أن حديث ابن عباس ماش جارٍ على الأصل وحديث شداد ناقل عن الأصل علماً بأن حديث ابن عباس ليس فيه أكثر من أنه -عليه الصلاة والسلام- احتجم وهو صائم، لكن هل استمر في صومه؟ أو أفطر؟ الذين يقولون بالقول الثاني كالحنابلة يقولون ليس فيه ما يدل على أن الحجامة لا تفطر، أكثر ما في الحديث أن النبي -عليه الصلاة والسلام- احتجم وهو صائم، لكن ليس فيه أنه استمر في صومه، فيه جواز الحجامة للصائم. وهل هذا الصيام نفل؟ والمتطوع أمير نفسه يحتجم إن شاء، كما أن له أن يأكل إذا شاء، أو هذا الصيام واجب واحتاج إلى الحجامة، كما أن المريض له أن يفطر