قد يقول قائل: أنا أسلك طريقة الاجتهاد المطلق، وأبدأ بالتدريج، أمسك الأحاديث حديث حديث، وأتكلم على كل راوي من رواتها، وأجمع أقوال أهل العلم، وأخرج بالقول الصائب من أقوالهم مرجحاً لما يوصلني إليه اجتهادي، ثم بعد أن أجمع أقوال أهل العلم في رواة هذا الحديث وأجمع طرقه، أحكم عليه بنفسي، ثم أستنبط منه، كم تحتاج إلى أن تنهي العلم كله، ولن تصل، مهما بلغت من العلم، ومهما طال بك العمر، وأنت تبحث أحاديث الطهارة، وتحتاج إلى وقت طويل يأتيك حديث في الحج، تقول: أنتظر في الطهارة وفي الحج؟ تأتيك نازلة في الصيام ماذا تصنع؟ فالتقليد لا مفر منه، ويغالط نفسه من يقول: إنه ينبذ التقليد بجميع صوره وأشكاله، أهل العلم الكبار الذين عرفوا بالاجتهاد في العصر الحديث تجدهم لا بد أن يقلدوا، إن ما قلدوا في الاستنباط قلدوا في الحكم على الحديث، إن ما قلدوا في الحكم على الحديث قلدوا في الحكم على الرجال، كثير من أهل العلم المتأهلين يعتمدون التقليد، هات التقليد، وماذا قال ابن حجر وإيش قال .. ؟ مع أن كثير من أحكام ابن حجر عليها ملاحظات، هذا اجتهاده، وهو أهل للاجتهاد، لكن المتأهل يقلد مجتهد؟ يجتهد هو، وغير المتأهل نرجع إلى مسألتنا يقلد في الرجال، يقلد في الأحكام، يقلد في الاستنباط.
فمن تأهل لشيء لا يسوغ له التقليد بحال، أما التقليد فهو فرض العامي وشبه العامي، والذي يخفى عليه حكم مسألة في حكم العامي إيش المانع؟ إلا يتكبر يقول: أنا من أعلم الناس؟ ما هو بصحيح، فالذي يريح الإنسان كثيراً أن يعرف قدر نفسه، إذا عرف الإنسان قدر نفسه ارتاح وأراح غيره، والله المستعان.
وعرفنا المناسبة بين التوبة والتطهر، تطهير الظاهر والباطن، ومناسب جداً أن يختم الحافظ ابن حجر باب الوضوء بهذا الحديث، في غاية المناسبة أن يُختم الباب بفتح أبواب الجنة، وبما يقال بعد تمام الوضوء، والله المستعان.