يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: وعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، وهذه أيضاً من السلاسل المشهورة في رواية الحفيد عن أبيه عن جده، مثل شهرة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، والخلاف فيها بين أهل العلم معروف، وإذا كان الخلاف في السلسلة السابقة سببه الخلاف في مرجع الضمير، فإن مثل ذلك الخلاف وهو السبب لا يرد هنا، فإن بهز وأبوه حكيم وجده معاوية بن حيدة صحابي معروف؛ لأن العدد بعدد الضمائر، بخلاف السلسلة الأولى، عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، وهم ثلاثة الرواة، وأما هنا فالعدد ثلاثة، والضمائر ثلاثة، فلا خلاف في عود الضمير على معاوية في جده، جده معاوية بن حيدة، لا خلاف في هذا بين أهل العلم، وسبب الخلاف في هذه السلسلة قبولاً ورداً منشؤه الكلام في بهز نفسه، فمنهم من يقبله، ويحتج به، ومنهم من يرده ويضعفه، والخلاف فيه بين أهل العلم معروف، وعلى كل حال مثل هذا الخلاف المرجح عند كثيرٍ من أهل العلم أنه يجعل هذه السلسلة كسابقتها، ما يروى بها يكون من قبيل الحسن، فهذا الحديث حسن، إذا كانت السلسلة الأولى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده يتوسط في أمرها، ويحكم على ما يروى بها بأنه حسن، وهذه السلسلة كذلك فما الراجح منهما فيما لو حصل تعارض بين حديث يروى بهذه وحديث يروى بتلك؟ من أهل العلم من يرجح أمر ابن شعيب عن أبيه عن جده؛ لأن الترمذي سأل البخاري عن حديث جاء بواسطتها فصححه، ومنهم من يرجح هذه السلسلة لأن البخاري علّق في صحيحه عن بهز، ولم يعلق عن عمرو، لكنه لم يصحح لبهز، فهل تصحيحه خارج الصحيح يقاوم تعليقه في الصحيح؟
أقول: من أهل العلم من يرجح عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده لأن البخاري صحح له، وهو في ذاته أقوى من بهز، ومنهم من يرجح بهز لأن البخاري في صحيحه الذي تلقته الأمة بالقبول علّق له على أن الرواية بالتعليق لا تقتضي التصحيح؛ لكن تلقي الأمة لهذا الكتاب بالقبول ترجحه على غيره، فأيهما أرجح؟ عمرو بن شعيب في ذاته مقبول، لكن بهز من أهل العلم من قال: ليس بشيء، لا يحتج به، فالكلام فيه، فعمرو بن شعيب أرجح من بهز بن حكيم عن أبيه عن جده.