يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في هذا الحديث الذي جمعه الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- من مواضع من صحيح البخاري، البخاري جرت عادته -رحمه الله- بتقطيع الحديث الواحد حسب ما يستنبط منه من فوائد وأحكام، ويترجم على جمله بتراجم، هي فقه الإمام البخاري من هذه التراجم، الحافظ ابن حجر جمّع هذه الروايات، وساقها مساقاً واحداً، فالجمع والتفريق يجوز بشرطه، تقطيع الحديث الواحد إلى جمل يجوز عند أهل العلم شريطة أن لا يتوقف فهم المذكور على ما حذف منه، وهذه طريقة البخاري -رحمه الله- العكس إذا كان الحديث الواحد مفرقاً مقطعاً يجمع إذا أريد سياقه بتمامه فعلى سبيل المثال صحيفة همام بن منبه مشتملة على مائة واثنين وثلاثين حديث، جمل قطعها البخاري، وكذلك مسلم وغيرهما من الأئمة قطعوها في مواضع متفرقة تبعاً لما يستنبط منها، وهي مجموعة في الكتب التي تسوق الأحاديث على أسماء الصحابة ومسانيدها، فلا يتصور من الإمام أحمد أنه يقطع مثل هذه الصحيفة؛ لأنه لا يترجم بأحكام تستنبط من هذه الأحاديث المجتمعة، فصنيع الحافظ -رحمه الله- الذي جمع هذا الحديث من مواضع لا يوجد كامل بهذه الصورة في موضعٍ واحد، هذا صنيعه جائز، جمع المتفرق إذا كان السند واحد، لا بأس به، كما أن تفريق المجتمع بالشرط الذي ذكرناه لا بأس به، وأما من يقول: أنه لا بد أن يساق النص بفصه، فهذا الكلام يتجه لمن لم يتأهل لفهم النصوص، إذا كان التفريق يجوز في القرآن، تقتصر من الآية على ما أردت، لا يلزمك أن تسوق الآية كاملة، إذا كان ما بعد المسوق لا يتوقف عليه فهم المسوق، إذا كان المحذوف لا يتوقف عليه فهم المذكور، {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [(58) سورة النساء] يجوز لك ذلك إذا كنت تتحدث عن الأمانة، ولا يلزمك أن تقول: {وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ} [(58) سورة النساء] وإذا كنت تتحدث عن العدل تذكر الجملة الثانية ولك أن تترك الجملة الأولى، وهكذا.