وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تسبوا الأموات)) السب عند ما يكون بالشتم، وإظهار المساوي، وكشف الأسرار، الأموات: والأموات جنس عند بعض أهل العلم يشمل المسلمين والكفار، فلا يسب الميت؛ لأنه قد أفضى إلى ما قدم، سوف يواجه حكماً عدلاً لا يظلمه، فيجازيه على حسناته، ويعاقبه على سيئاته، فالسب لا نتيجة له، ولا فائدة منه، لكن إذا ترتب عليه مصلحة، ولم يقصد السب، وإنما قصد النصيحة، وهذا يظهر جلياً في جرح الرواة، حينما يقال: فلان كذاب سبيناه وإلا ما سبيناه؟ سبيناه لكن ويش يترتب على هذا؟ يترتب على هذا التصحيح والتضعيف، صيانة الدين مقدمة على حرمة الأشخاص، فكوننا ننهى عن سب الأموات لا يعني أننا نحذر من هذا الكذاب أو هذا الضعيف أو هذا المبتدع الذي يخشى من بدعته، ويش المانع من أن يقال: فلان معتزلي؟ كونك تصفه بالاعتزال أو جهمي أو رافضي هذا سب له، لكن لا يمنع تحذيراً من بدعته التي يخشى ضررها، فالنهي عن السب كسب الأحياء لا يجوز غيبة الأحياء بحال، إلا إذا ترتب عليها مصلحة أعظم منها، والله -جل وعلا- حكى ما حكى عن الأمم السابقة، وذكر كفرهم وجرائمهم وتكفيرهم للأنبياء وقتلهم لهم، وهم قد أفضوا إلى ما قدموا، لكن لما يترتب على ذلك من المصلحة الراجحة؛ لأنه كما يقول عمر وغيره: مضى القوم ولم يرد به سوانا {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ} [(111) سورة يوسف] ليست لمجرد التفكه بأعراضهم وأفعالهم، لا إنما لنعتبر ونتعظ ونزدجر لئلا تكون العاقبة واحدة، جاء في الجنازة التي مر بها على النبي -عليه الصلاة والسلام- فأثنوا عليها شراً فلم ينكر عليهم، بل أقرهم على ذلك، وقال: وجبت، يعني النار، وجاء في ذمه أنه كان فظاً غليظاً، جاء في ذكره أنه كان فظاً غليظاً، ولم ينكر عليهم ذمه، ولم ينكر عليهم، فإما أن يقال: إن هذا كان قبل النهي، أو يقال: إن مثل هذا شره ظاهر ولا يستتر به، ولا يخفيه، وما كان مما يظهره الإنسان ويخشى من تعديه إلى غيره، ويقتدى به فيه يحذر منه.