الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
وعن بريدة بن الحصيب الأسلمي -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول -صلى الله عليه وسلم-: ((كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها)) جاء النهي رافع للإباحة الأصلية، ثم رفع هذا الرافع ((كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها)) النهي عن زيارة القبور منسوخة، والدليل على النسخ يؤخذ من لفظ الحديث: ((كنت -يعني في الماضي- نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها)) وهذا أمر وحكمه عند أهل العلم الاستحباب لوجود العلة والأثر المترتب على الزيارة ((فإنها تذكر الآخرة)) وفي اللفظ الآخر: ((تزهد في الدنيا)) العلة تدل على الاستحباب، وإن كان الأصل في الأمر الوجوب، قد يقول قائل: إن هذا أمر بعد حظر، بعد منع، وبعضهم يطلق في الأمر بعد الحظر الإباحة {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ} [(2) سورة المائدة] {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا} [(10) سورة الجمعة] للإباحة، لكن المحقق أن الأمر يعود إلى ما كان عليه قبل الحظر، وهنا الأمر لا شك أنه للاستحباب، والعلة تدل على هذا، ((فإنها تذكر الآخرة)) في قوله -جل وعلا-: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [(1 - 2) سورة التكاثر] فشغلكم التكاثر في الأموال والأولاد وأمور الدنيا حتى حصلت لكم هذه الزيارة إن كنتم أحياء، وإن كنت أموات يعني بالموت، فالميت إذا دفن في قبره فهو زائر، ولذا لما سمع الأعرابي قوله -جل وعلا-: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [(1 - 2) سورة التكاثر] قال: بعث القوم ورب الكعبة، أخذ من هذه الآية دليل على البعث، لماذا؟ لأن الزائر لا بد أن يعود، لا يمكث في مكانه الزائر، فاستدل بالآية على البعث، ولا شك أن زيارة القبور فيها الأثر النافع سواء كان للزائر نفسه أو المزور للاعتبار، القبر أول منازل الآخرة، وكان عثمان -رضي الله تعالى عنه- يبكي عند القبر أكثر مما يتأثر بغيره؛ لأنه مرحلة حاسمة، يعني إذا كان القبر مريح فما بعده أريح، وإذا كان غير ذلك فما بعده أشد.