وعن عوف بن مالك -رضي الله عنه- قال: "صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على جنازة فحفظت من دعائه" فدل على أن الدعاء أطول من هذا، ويحتمل أن النبي -عليه الصلاة والسلام- جهر بهذا الدعاء حتى سمع وحفظ، ويحتمل أنه سأله بعد أن سلم فحفظ عنه، كما سأل أبو هريرة النبي -عليه الصلاة والسلام- عن ما يقوله في سكوته بين التكبير والقراءة فأخبره بدعاء الاستفتاح، والاحتمال قائم على أنه إما أن يكون جهر به جهراً خفيفاً وهذا لا يؤثر، ويكون حينئذٍ عوف قريب منه فحفظ منه، ولذا لم يحفظه كله، بل حفظ من دعائه: ((اللهم اغفر له وارحمه)) وبعضهم أخذ من هذا مشروعية الجهر بالدعاء، لكن لو شرع الجهر به لحفظ التأمين عليه، فدل على أنه مما يسر به، يسر به الإمام ويسر به المأموم، لكن كيف حفظه من دعاء النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ لا يمنع أن يكون النبي جهر ببعض الدعاء فحفظ عنه، كما كان يجهر بالآية أحياناً في الصلاة السرية، فحفظ من دعائه هذا: ((اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله)) ضيافته ((ووسع مدخله)) قبره ((واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس)) الغسل قبل التنقية وإلا التنقية قبل؟ يعني في دعاء الاستفتاح التنقية قبل الغسل، ينقى من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، ثم بعد ذلك يغسل، يعني هل الأفضل إذا جيء للغسال بثوب فيه بقع أن يغسله أولاً ثم يتتبع هذه البقع، أو يتتبع هذه البقع ثم يغسله كاملاً؟ يتتبع البقع ثم يغسله كاملاً، لماذا؟ لأن التخلية قبل التحلية، في دعاء الاستفتاح ماشي على هذا، نقني من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، واغسلني بالماء والثلج والبرد، لكن هنا: اغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، قد يقول قائل: إن هذه الواو لا تقتضي ترتيب، والمسألة معنوية سواءً غسل قبل أو نقي قبل فالمسألة معنوية، لكن ترتيب الكلام في المحسوسات ما جاء في دعاء الاستفتاح أظهر مما جاء هنا؛ لأن المسألة هنا معنوية، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ وأبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وأدخله الجنة.