وفي حديث ابن عباس المخرج في صحيح مسلم النبي -عليه الصلاة والسلام- جمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء، صلى سبعاً ثمانياً وسبعاً من غير خوف ولا مطر، وفي رواية: "من غير خوف ولا سفر" المقصود أنه يصلي .. ، صلى -عليه الصلاة والسلام- في المدينة مرة، وجمع بين الصلاتين، وظاهر قوله: "من غير خوف ولا مطر" أنه من غير عذر، لكن كلام ابن عباس لما سئل ابن عباس -رضي الله عنهما- لما سئل قال: "أراد -يعني النبي -عليه الصلاة والسلام- ألا يحرج أمته" فدل على أن في ترك الجمع في هذا الظرف حرج {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [(78) سورة الحج] الجمع في الحضر من غير سفر ومن غير خوف ومن غير مطر مع وجود حرج، ابن عباس كلامه يدل على أنه يوجد حرج، فأراد النبي -عليه الصلاة والسلام- ألا يحرج أمته، ويمكن أن يستعمل مثل هذا الجمع في أحوال الضرورات، يعني لو قدر أنه بين السيارات ولا تستطيع أن تنزل، ولا تستطيع أن تنتقل، ولا تستطيع .. ، نعم الأصل أن تصلي كل صلاة في وقتها، لكن لا تستطيع أن تصلي، وقد تكون على غير طهارة، فإن انتظرت إلى أن ينحل الإشكال وتنزل من سيارتك يكون وقت الأولى قد خرج، وحينئذٍ الصلاة كل صلاة في وقتها حرج، فمثل هذا قد يحمل عليه هذا الحديث، مثل هذه الصورة لأن فيها حرج.
على أن الترمذي نص في علله على أنه لم يخرج حديثاً أجمع العلماء على ترك العمل به إلا هذا الحديث وحديث قتل المدمن، الذي شرب حديث معاوية، شرب الخمر في الأولى: اجلدوه، والثانية: اجلدوه، والثالثة: اجلدوه، الرابعة: اقتلوه، قتل مدمن الخمر، يقول الترمذي: "أجمع أهل العلم على عدم العمل بهذين الحديثين" والعادة عند أهل العلم أنه إذا اجمع على ترك العمل بحديث فهذا الإجماع يدل على وجود ناسخ لهذا الحديث ولو لم نطلع عليه، فلا يعكر مثل هذا الحديث على ما نحن فيه، وهو أن الرخص مربوطة بأسباب لا بد من تحققها، وليس فيه مستمسك لمن يتساهل ويؤخر الصلوات عن أوقاتها.