إذن المعول في الحكمين على النصوص المفسرة للآيتين، فالجمهور عندهم ما يدل على ركنية السعي مما يجعل الآية تفيد وجوبه بل ركنيته، والمناظرة بين عائشة وعروة في آية السعي معروف، وأن سبب نزول الآية أنهم كانوا يتحرجون من السعي بين الصفاء والمروة؛ لأن العرب قبل الإسلام يسعون بينهما بين صنمين فتحرجوا من شرعية السعي، فرفع هذا الحرج وهذا الجناح بالآية، قل مثل هذا في قوله تعالى: {فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} [(203) سورة البقرة] الذي يتعجل لا إثم عليه، والذي يتأخر لا إثم عليه، هل الحاج جاء لمجرد رفع الإثم لبقائه أو استعجاله أو جاء طلباً للمغفرة؟ ((من حج فلم يرفع ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه)) والمعنى المعتمد في الآية أنها مطابقة للحديث، يستوي في ذلك من تأخر ومن تعجل شريطة أن يتقي الله -جل وعلا- في حجه، فإذا اتقى الله في حجه لا إثم عليه، يرتفع الإثم عنه، فيرجع مغفوراً له سواءً تعجل أو تأخر، شريطة أن يتقي الله -جل وعلا- في حجه، ولا نقول: إن التقوى شرط للتأخر دون التعجل، لا، لأن بعض الناس قد يفهم هذا، فلا إثم عليه، {فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [(203) سورة البقرة] يعني يرتفع عنه الإثم الذي ارتكبه قبل حجه، شريطة أن يتقي الله -جل وعلا- في حجه سواءً تعجل أو تأخر، ويكون مفاد الآية هو مفاد من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه؛ لأن رفع الجناح الأصل فيه ورفع الإثم الأصل فيه أن يرجع كفاف لا له ولا عليه، يعني لم يستفد من هذه العبادة إذا قلنا: إنه مجرد رفع إثم، والمراد تقريره سواءً كان في الآية أو في الحديث بيان فضل الحج.
الحنفية يستدلون بهذا الحديث على وجوب القصر، والجمهور يستدلون بهذا الحديث على عدم وجوب القصر، معنى الحديث محتمل، والحديث محتمل للمعنيين، والحنفية مشوا على أصل الفرض وهو الإيجاب، والجمهور أيدوا ما ذهبوا إليه بالأدلة اللاحقة -إن شاء الله تعالى-.