ما قيل في قوله تعالى: (الله نور السماوات والأرض) وقوله: (من يكفر بالإيمان) وقوله: (ليس كمثله شيء)

قال رحمه الله تعالى: [قال الله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ} [النور:35] الآية، قال أبي بن كعب رضي الله عنه: مثل نوره في قلب المؤمن.

فهذه هي الأنوار التي تحصل في قلوب المؤمنين.

وقد قيل في قوله تعالى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} [المائدة:5] إنه الكفر بذلك، فإن من كفر بالإقرار الذي هو التصديق بالله وملائكته وكتبه ورسله والإسلام له، المتضمن للاعتقاد والانقياد لإيجاب الواجبات، وتحريم المحرمات، وإباحة المباحات فهو كافر؛ إذ المقصود لنا من إنزال الكتب وإرسال الرسل هو حصول الإيمان لنا، فمن كفر بهذا فهو كافر بذاك، وهذا قد يسمى المثل والمثال؛ لأنه قد يقال: إن العلم مثال المعلوم في العالم، وكذلك الحب يكون فيه تمثيل المحبوب في المحب].

يعني: انعكاس أثر هذه الأشياء على المخلوقات، فالعلم ينعكس أثره في العالم، والحب ينعكس أثره على المحبوب وعلى المحب، وقد يقصد الشيخ معنى التناسب، لكن هذا سيأتي التعبير عنه في مقام آخر بعد قليل، فالذي يظهر لي هنا أن مقصود الشيخ انعكاس المعاني التي تدخل القلب من العلم والحب ونحو ذلك على الشخص، وهذا الانعكاس أحياناً يسمى حلولاً وأحياناً يسمى تأثراً، وأحياناً يسمى تناسباً، ويسمى بأسماء كثيرة، قد يراد بها الحق، وقد يراد بها الباطل.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم من الناس من يدعي أن كل علم وكل حب ففيه هذا المثال، كما يقوله قوم من المتفلسفة، ومنهم من ينكر حصول شيء من هذا المثال في شيء من العلم والحب.

والتحقيق: أنه قد يحصل تمثل وتخيل لبعض العالمين والمحبين، حتى يتخيل صورة المحبوب، وقد لا يحصل تخيل حسي، وليس هذا المثل من جنس الحقيقة أصلاً، وإنما لما كان العلم مطابقاً للمعلوم وموافقاً له غير مخالف له، كان بين المطابِق والمطابَق والموافِق والموافَق نوع تناسب وتشابه، ونوع ما من أنواع التمثيل، فإن المثل يضرب للشيء لمشاركته إياه من بعض الوجوه، وهنا قطعاً اشتراك ما واشتباه ما.

وقد قيل في قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11]، وقوله: {وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [الروم:27] أنه هذا.

].

ذكر الشيخ هذا المعنى في ردوده على الذين نفوا أسماء الله وصفاته أو بعضها بدعوى أنها تقتضي التشابه، فكأنه يقول: إن قوله عز وجل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}، يعني: المماثلة في الكيفية لا في المعاني والألفاظ المشتركة؛ لأن قوله عز وجل: ((وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ))، يعني: أن كل أمر مشترك لفظي بين العباد في أمور الكمال فالله عز وجل له أعلى الوصف في مثل هذه الألفاظ المشتركة، فإذا قلنا مثلاً: الله عز وجل موصوف بالعلم، وبعض العباد أيضاً موصوفون بالعلم، فالعلم لفظ مشترك، والله عز وجل ليس كمثله شيء في علمه، لكن مع ذلك له المثل الأعلى في العلم، ولا يتنافى هذا مع نفي الممثالة؛ لأن الألفاظ المشتركة والمعاني المشتركة تبقى في الأذهان، ولذلك فإن كل معنى مشترك فيه كمال لله عز وجل يطلق على الله، لكن له فيه الكمال المطلق وفي غيره محدود وناقص، وكل كمال فالله أحق وأولى أن يوصف به؛ لكن نظراً لأن الكمالات التي وردت بألفاظ الشرع، وردت بألفاظ تشمل أفضل المعاني وأعظمها في كلام الله عز وجل وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، فإنا ننكر ما يبتدعه الناس من الألفاظ لا المعاني، فالألفاظ التي عبر بها الناس عن كمال الله إن كانت وردت في الكتاب والسنة أثبتناها، وإن لم ترد في الكتاب والسنة أثبتنا معانيها الحق ورددنا الألفاظ؛ لأن في ألفاظ كلام الله عز وجل الجامعة المحكمة ما يكفي، وفي ألفاظ كلام رسوله صلى الله عليه وسلم ما يكفي في إثبات الكمال لله.

إذاً: هذا معنى أن قوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11]، له تقييد في قوله: {وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى} [الروم:27]، لكن ليس تقييداً بمعنى: أنه يستثنى أن هناك مماثلة، إنما يستثنى معنى من معاني المثل في اللفظ المطلق أو في اللفظ المشترك، لا في إطلاق الألفاظ على الأعيان، أما إذا أطلقت الألفاظ على الأعيان فلا يجوز أن يطلق على الله عز وجل أي وصف مما تتصف به الأعيان، أي: المخلوقات.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015