من أعظم الأصول التي يعتمدها الاتحادية (كان الله ولا شيء معه، وهو الآن على ما عليه كان)

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد: فيقول شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: [فصل.

ومن أعظم الأصول التي يعتمدها هؤلاء الاتحادية الملاحدة المدعون للتحقيق والعرفان ما يأثرونه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كان الله ولا شيء معه، وهو الآن على ما عليه كان)، وهذه الزيادة وهو قوله: (وهو الآن على ما عليه كان) كذب مفترى على رسول الله صلى الله عليه وسلم، اتفق أهل العلم بالحديث على أنه موضوع مختلق، وليس هو في شيء من دواوين الحديث لا كبارها ولا صغارها، ولا رواه أحد من أهل العلم بإسناد لا صحيح ولا ضعيف ولا بإسناد مجهول، وإنما تكلم بهذه الكلمة بعض متأخري متكلمة الجهمية، فتلقاها منهم هؤلاء الذين وصلوا إلى آخر التجهم وهو التعطيل والإلحاد، ولكن أولئك قد يقولون: كان الله ولا مكان ولا زمان، وهو الآن على ما عليه كان، فقال هؤلاء: (كان الله ولا شيء معه، وهو الآن على ما عليه كان) وقد اعترف بأن هذا ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم أعلم هؤلاء بالإسلام ابن عربي، فقال في كتاب (ما لا بد للمريد منه): وكذلك جاء في السنة: (كان الله ولا شيء معه) قال: وزاد العلماء: وهو الآن على ما عليه كان، فلم يرجع إليه من خلقه العالم وصف لم يكن عليه، ولا عالم موجود، فاعتقد فيه من التنزيه مع وجود العالم ما تعتقده فيه ولا عالم ولا شيء سواه.

وهذا الذي قاله هو قول كثير من متكلمي أهل القبلة].

قوله: (وهذا الذي قاله هو قول كثير من متكلمي أهل القبلة).

أي: أن هذه النزعة أثّرت حتى في المتكلمين الذين ليسوا من الملاحدة ولا من الفلاسفة، كمتكلمة الأشاعرة والماتريدية، أثّرت فيهم هذه النزعة الفلسفية كما هو ظاهر عند أبي المعالي الجويني قبل أن يرجع إلى السنة، وكما هو ظاهر أيضاً عند الغزالي، وظاهر جداً عند الرازي بن الخطيب ومن سلك سبيلهم، فهذه النزعة، يعني: نزعة نفي المكان والزمان مطلقاً بدون تفصيل، أدت إلى إنكار الصفات الفعلية وتأويلها، وإلى إنكار الصفات الذاتية وتأويلها، وإن لم يشاركوا أصحاب الاتحاد والحلول ووحدة الوجود الملاحدة في إنكار ذات الله عز وجل والقول بالحلول أو الاتحاد، ما شاركوهم في هذا الحد، لكن شاركوهم في نفي ما هو من الصفات الذاتية والفعلية لله عز وجل؛ زعماً منهم أن ذلك يقتضي الحدوث والزمان والمكان، قالوا: إذا قلنا: إن الله مستو على عرشه اقتضى ذلك المكان، أخذاً بالشبهة الفلسفية، والتي قالوا فيها الحديث الموضوع هذا: (وهو الآن على ما عليه كان) وأيضاً زعموا أن إثبات العلو يقتضي المكان، وزعموا أيضاً أن بعض أفعال الله عز وجل تقتضي الزمانية والمكانية، مثل: النزول وغير ذلك.

فأقول: إن الشيخ أشار إشارة إلى مسألة منهجية مهمة جداً، تدل على التداخل العقدي بين الفرق، وأن كل فرقة من فرق أهل الكلام ابتداء من الغلاة الفلاسفة الملاحدة كهؤلاء الذين ذكرهم الشيخ، وانتهاء بمن هم من فرق أهل القبلة وهم متكلمة الأشاعرة والماتريدية، وعندهم قدر مشترك يشتركون فيه، وهو الخوض في هذه المسائل ما بين تعطيل مطلق، وما بين تأويل، وما بين اضطراب في ذلك، كل ذلك تحت شبهة الزمانية والمكانية والحدوث؛ لأنهم أيضاً يقولون: الزمان والمكان حادث، فأدخلوا هذه القضايا كلها تحت ما يسمى بالزمانية والمكانية والحدوث، فمن هنا وقفوا تلك المواقف تجاه ذات الله عز وجل وأسمائه وصفاته وأفعاله المتباينة ما بين معطّل ملحد، وما بين مؤول، كل ذلك راجع إلى هذه الشبهة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015