قال رحمه الله تعالى: [وهذه الطرق فيها فساد كثير من جهة الوسائل والمقاصد: أما المقاصد فإن حاصلها بعد التعب الكثير].
قبل أن نتمادى في الفقرات أحب أن نضع لها عنواناً وهو: سمات مناهج المخالفين من الفلاسفة والمتكلمين، وسمات هذه المناهج تميز مناهجهم الفاسدة عن مناهج أهل السنة الصالحة.
وقد وضع الشيخ أكثر من عشر سمات: الأولى: قوله: (هذه الطرق فيها فساد كبير من جهة الوسائل) هذه السمة الأولى.
السمة الثانية: فسادها من جهة المقاصد، قال: (والمقاصد) يعني: الوسائل والطرق التي استخدموها في الوصول إلى هذه القناعات الموجودة عندهم، فمن سماتهم فساد الوسائل، وهو الاعتماد على العقل والمصطلحات الفلسفية في الوصول إلى الغاية.
ثم الغاية عندهم فاسدة، وهي التي عبر الشيخ عنها هنا بالمقاصد؛ لأن المقاصد عندهم لا توصلهم إلى عبادة الله عز وجل، ولا إلى تعظيم الله حق التعظيم، ولا توصلهم إلى الأخذ بطريق الهدى، المقاصد فقط توقفهم على الإيمان بمجرد وجود الله، ثم وصفه بأوصاف لا تليق، والحيدة عن عبادته.
قال رحمه الله تعالى: [هذه الطرق فيها فساد كثير من جهة الوسائل والمقاصد، أما المقاصد فإن حاصلها بعد التعب الكثير والسلامة خير قليل، فهي لحم جمل غث على رأس جبل وعر، لا سهل فيرتقى ولا سمين فينتقل].
هذه كلمة عظيمة في الحقيقة، من أعظم الكلمات التي وصف بها الشيخ مناهج المتكلمين وسمات أعمالهم.
يقول: إنهم قد يحصلون خيراً قليلاً؛ لأنهم من أهل الاعتراف بوجود الله، ولا شك أن الاعتراف بوحدانية الله أنه خير، لكنه قليل الفائدة؛ لأنه لا يؤدي المطلوب من العباد، وهو عبادة الله، فهو قليل بالنظر إلى المطلوب من العباد، بالنظر إلى الغاية من خلق الناس، كما قال عز وجل: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56]، هذه الغاية العظمى ما وصلوا إليها؛ فلذلك هم وصلوا إلى خير قليل.
ثم قال: هذه الوسائل والمقاصد التي وصلوا إليها مثل لحم جمل غث، يعني: ليس بطيب وتعافه النفس، على رأس جبل وعر، فالارتقاء إليه لا يؤدي إلى نتيجة، ويكون صعباً جداً، فالإنسان قد يتعب ويلهث وأخيراً يجد لحماً غير صالح للأكل، فهو لم يصل إلى الغاية، قال: (لا سهل فيرتقى) يعني: الجبل، (ولا سمين) يعني: لحم الجمل فينتقل.
قال رحمه الله تعالى: [ثم إنه يفوت بها من المقاصد الواجبة والمحمودة ما لا ينضبط هنا].
هذه هي السمة الرابعة.
الأولى: وهذه الطرق فيها فساد كثير من جهة الوسائل.
الثانية: من جهة المقاصد.
الثالثة: أن الخير فيها قليل.
الرابعة: أنه يفوت بها من المقاصد الواجبة والمحمودة ما لا ينضبط.
قال رحمه الله تعالى: [وأما الوسائل: فإن هذه الطرق كثيرة المقدمات].
هذه السمة الخامسة.
قال رحمه الله تعالى: [ينقطع السالكون فيها كثيرًا قبل الوصول].
هذه السمة السادسة.
قال رحمه الله تعالى: [ومقدماتها في الغالب إما مشتبهة يقع النزاع فيها].
هذه السمة السابعة.
قال رحمه الله تعالى: [وإما خفية لا يدركها إلا الأذكياء].
هذه السمة الثامنة.
قال رحمه الله تعالى: [ولهذا لا يتفق].
هذه السمة التاسعة من سمات مناهج أهل الأهواء: أنهم لا يتفقون، وهذه من أبرز سماتهم لكل متأمل.
قال رحمه الله تعالى: [ولهذا لا يتفق منهم اثنان رئيسان على جميع مقدمات دليل إلا نادراً، فكل رئيس من رؤساء الفلاسفة والمتكلمين له طريقة في الاستدلال تخالف طريقة الرئيس الآخر، بحيث يقدح كل من أتباع أحدهما في طريقة الآخر، ويعتقد كل منهما أن الله لا يعرف إلا بطريقته، وإن كان جمهور أهل الملة بل عامة السلف يخالفونه فيها.
مثال ذلك: أن غالب المتكلمين يعتقدون أن الله لا يعرف إلا بإثبات حدوث العالم، ثم الاستدلال بذلك على محدثه، ثم لهم في إثبات حدوثه طرق، فأكثرهم يستدلون بحدوث الأعراض؛ وهي صفات الأجسام.
ثم القدرية من المعتزلة وغيرهم يعتقدون أن إثبات الصانع والنبوة لا يمكن إلا بعد اعتقاد أن العبد هو المحدث لأفعاله، وإلا انتقض الدليل ونحو ذلك من الأصول التي يخالفهم فيها جمهور المسلمين.
وجمهور هؤلاء المتكلمين المستدلين على حدوث الأجسام بحدوث الحركات يجعلون هذا هو الدليل على نفي ما دل عليه ظاهر السمعيات، من أن الله يجيء وينزل ونحو ذلك.
والمعتزلة وغيرهم يجعلون هذا هو الدليل على أن الله ليس له صفة: لا علم، ولا قدرة، ولا عزة، ولا رحمة ولا غير ذلك؛ لأن ذلك بزعمهم أعراض تدل على حدوث الموصوف].
هذه هي الطرق التي ذكر الشيخ منها ما سبق، ثم سيذكر طريق السنة والجماعة بعد قليل، ثم طريق المتكلمين، ثم طريق المتفلسفة، ويقصد عامة الفلاسفة، وهنا ذكر طريق المصنفين من الفلاسفة الذين يسمون بالإسلاميين، أعني: المنتسبين إلى الإسلام وليسوا من الإسلام في شيء، وهذا مما ابتلينا به حقيقة من دفاع الناس عن ابن سينا وأمثاله، هل هم مسلمون أم غير مسلمين؟ وهذا في الحقيقة نزاع عديم الجدوى، ثم هم ليسوا من الإسلام ف