بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فسنشرع في هذا الدرس من المجلد الثاني من فتاوى شيخ الإسلام ويبدأ فيه بمسألة مهمة في توحيد الربوبية، وأحب أن أتكلم عنها قليلاً قبل أن نبدأ بها؛ لأنها من المسائل الكلامية التي فيها شيء من الغموض والتعقيد أحياناً، وهي مسألة أول الواجبات، ما هو أول واجب على العباد؟ هذه مسألة بدهية فطرية، لكن مع ذلك بعد دخول الأهواء على الأمة، وبعد وجود الافتراء، وبعد أن مالت كثير من الفرق إلى مناهج الفلاسفة في تقرير الدين، ومناهج أهل الكتاب، ومناهج الصابئة، ومناهج المجوس، ومناهج غيرهم من الأمم الأخرى، دخلت مفاهيم غريبة وبعيدة كل البعد عن مقتضى الفطرة والشرع، فصارت مسالك لأقوام منهم علماء، والسبب الذهول عن الحقيقة الفطرية البدهية، وهي أن أول واجب على العباد جميعاً الإيمان بالله عز وجل، لكن ليس مجرد الاعتراف بوجود الله، إنما تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله؛ لأن مسألة الإيمان بالله لا تعني مجرد الإقرار؛ لأن الإقرار فقط ليس هو الموصل إلى ما يرضي الله عز وجل ويسعد البشر، لا سيما وأن الإقرار فطري عند جميع الناس، ليس هناك أمة من الأمم تنكر مبدأ وجود الله أو وحدانية الله بالخلق والربوبية، ليس هناك أمة تنكر ذلك وإن وجدت بعض النزعات النادرة.
إذاً: القضية في أول واجب هو: ما المطلوب من العباد؟ المطلوب من العباد هو عبادة الله المتحقق بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ولذلك صار مفتاح الدخول في الإسلام الشهادتين: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وبذلك نقول: إن أول واجب هو الإقرار بالشهادتين، أول واجب هو تحقيق التوحيد، أول واجب هو تحقيق الإيمان، أول واجب تحقيق الإسلام وذلك يكون بأركان الإسلام.
هذا ما سيبينه الشيخ ويرد على المخالفين، والمخالفون لهم أقوال كثيرة في أول واجب، وسيأتي الكلام عنها الآن وسترون فعلاً مدى بعد المتكلمين عن المنهج الحق في تقرير التوحيد وبيانه.