قال رحمه الله تعالى: [فهذا الذي أثنى على الحلاج ووافقه على اعتقاده ضال من وجوه: أحدها: أنه لا يعرف فيمن قتل بسيف الشرع على الزندقة أنه قتل ظلماً وكان ولياً لله، وقد قتل الجهم بن صفوان والجعد بن درهم وغيلان القدري ومحمد بن سعيد المصلوب وبشار بن برد الأعمى والسهروردي وأمثال هؤلاء كثير، ولم يقل أهل العلم والدين في هؤلاء: إنهم قتلوا ظلماً، وإنهم كانوا من أولياء الله، فما بال الحلاج تفرد عن هؤلاء؟].
هذه مسألة مهمة جداً، وليست جديدة كما يظن بعض الذين اطلعوا على مقالات وشبهات بعض المفتونين من المعاصرين، من دعوى أهل الأهواء أن الذين قتلوا لكفرهم وزندقتهم أو لعموم فسادهم في الأرض، أو الذين حدوا بأي حد من الحدود الشرعية إما بنفي أو حبس أو بتشهير أن هؤلاء مظلومون، وأنهم ضيق عليهم ظلماً، فما أثاره كثير من المعاصرين من المفتونين، والذين تكلم عنهم أحدهم في مذكرة حراسة العقيدة ليس بجديد، اللهم إلا أن الجديد أنهم استعملوا عبارات مثيرة إعلامياً للتنفير من مواقف السلف، مثل عبارة: الإرهاب المخالف، هذه استعملها من نرد عليه في هذا الدرس، فقد استعملها كثيراً، وضرب أمثلة على أن السلف يظلمون، وأنهم يرعبون المخالف ويضيقون عليه، ويستعدون السلاطين على المخالفين، وضرب أمثلة لهؤلاء بـ الجهم والجعد وغيلان، وبهذا يتضح منهجياً أن مناهج أهل الأهواء واحدة، وأن من أثار هذه الفتنة ضد السلف وأشغل شباب الأمة في هذه الظروف العصيبة في هز المسلمات والطعن في السلف، إنما هو امتداد لأسلافه الأوائل أهل الأهواء والفرق والابتداع؛ ولذلك نرى هؤلاء من مبالغتهم في الحقد على السنة وأهلها أنهم جمعوا المتناقضات، فقد جمعوا في تعاطفهم مع أصحاب المذاهب المتناقضة، فـ الجهم غير الجعد، والجعد غير غيلان، والسهروردي غير هؤلاء، والفرق التي منها هؤلاء الأشخاص فرق متضاربة متعارضة، فلذلك من علامات الخذلان أن هذه الفئة ضمت جميع أهل الأهواء وتعاطفت معهم، ما أخذت طائفة واحدة حتى نقول: لعلها اغترت بمنهجها، لا، بل جمعوا جميع أهل الأهواء وضموهم كلهم في حزمة واحدة، وهذا يعطينا العبرة والدرس في أنه ينبغي للمسلم أن يلتزم نهج السلف؛ لأنه سبيل المؤمنين، وأن يكون في ذلك واثقاً ومطمئناً؛ لأن الله عز وجل جعل سبيل المؤمنين هو الطريق الذي فيه الاعتصام، وفيه الإجماع على الحق، الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تجتمع أمتي على ضلالة)، فإنه لا يمكن أن يخفى الحق، وإذا أخذنا الأمور بموازين الشرع فسنجد الحق مع من كان على السنة والاستقامة، وإن وجد عند بعضهم شيء من التجاوزات والأخطاء التي هي من عوارض البشر، وهذا كما أشرت إليه وسأشير مرة أخرى لا يضر بالمنهج.
أما قول أهل الأهواء عن الحلاج وغيره أنه قتل ظلماً، فهذه كلمة قالها أنصار هؤلاء في وقتهم، وقد يزيد بعض المعاصرين أمراً آخر وهو شعار جديد أرادوا أن يثيروا به شباب الأمة، هو شعار: أن هؤلاء قتلوا قتلاً سياسياً، فانظر إلى المغزى، يعني: أن بني أمية أو بني العباس الذين ركزوا على قتل الزنادقة، وذلك حين كثر الزنادقة سلط الله عليهم من أئمة الهدى من يبين عوارهم، وسلط عليهم من سلاطين الأمة وخلفائها من يقيم الحد فيهم، فأهل الأهواء يقولون: إن قتل هؤلاء من أهل الزندقة والكفر والإلحاد والفساد كان قتلاً سياسياً؛ لأنهم من مشاهير المعارضين للسلاطين، فهذا فيه شيء من الحق، لكنه صور بصورة الباطل، ووجه الحق أن أهل الأهواء دائماً يرفعون راية الخروج وعدم السمع والطاعة، بما فيهم هؤلاء الأشخاص، فقد اشتهر ذلك عن الجعد واشتهر عن غيلان وغيرهما؛ لأن صاحب البدعة من لوازم بدعته أن يكره السنة، وإذا كره السنة فإنه سيترك مناهج أهل السنة والجماعة، ومن منهج أهل السنة والجماعة: السمع والطاعة لولاة الأمر، واعتقاد حقهم من البيعة وغير ذلك في المعروف، فأهل الأهواء لا يسمعون ولا يطيعون، فمن هنا تأتي شبهة أنهم قتلوا قتلاً سياسياً، مع أننا نعلم أن الأحداث الشهيرة التي قتل فيها هؤلاء جرت بمنهج شرعي سليم، وتمت على أيدي أهل العلم من الأئمة الموثقين من علماء وقضاة، وكون بعض الساسة أو بعض الولاة له هوى في قتل هذا الرجل أو ما له هوى هذا أمر لا يعلمه إلا الله عز وجل علام الغيوب، لكن أن نفسر الأحداث بهذا التفسير، هذا هو عين الهوى والمنهج الخاطئ الضال؛ لأنه بذلك يؤدي إلى وصف منهج أهل السنة والجماعة بالانحراف والضلال، وهذا عين الباطل، وما كان الله عز وجل يسلم الأمة إلى الباطل بهذه الصورة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأما الأنبياء فقتلهم الكفار، وكذلك الصحابة الذين استشهدوا قتلهم الكفار،