قال رحمه الله تعالى: [وما يحكى عن الحلاج من ظهور كرامات له عند قتله، مثل: كتابة دمه على الأرض: الله الله، وإظهار الفرح بالقتل أو نحو ذلك، فكله كذب].
وقد ذكر الشيخ وغيره من أئمة السنة أنه أحياناً يقع مثل هذا من عبث الشيطان بالناس، ومن أجل استحواذ الجن والشياطين عليهم، ففي مثل هذه المواطن مواطن الفتنة يوقعونهم في شبهات وإشكالات، فقد يسمعون أصواتاً ويظنونها أصوات ملائكة، وقد يحدث للشخص مثل ما زعموا أنه حدث للحلاج أن دمه صار على شكل فيه صور حروف أو أشكال حروف، وقد تحدث خوارق يفتن بها الحاضرون ممن ليس على السنة والاستقامة، وتنسب على أنها نصر لهذا المقتول الذي أقيم عليه الحد، أو نصر لمذهبه، وهذا من الفتنة والابتلاء.
وما يحكى عن الحلاج كله كذب؛ لأن قصة قتل الحلاج شهدها فئام من المسلمين، بما فيهم الذين أقاموا الحد عليه، ومنهم قضاة كانوا معه إلى آخر لحظة، والسيف على رقبته وهم يستتيبونه، ومع ذلك يقرر الإلحاد، وهذه الصورة تكررت في التاريخ الحديث، فمنذ سنوات ليست بالبعيدة ظهر متنبئ كذاب في السودان اسمه محمود طه، ودعا إلى مبادئ، منها: أنه جاء بإسلام جديد، وأن الإسلام الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم هو الإسلام الأول، والإسلام الثاني هو الإسلام الحديث الذي جاء به هو، واختصر الصلوات، وشرع للناس تشريعات، وربط مذهبه بطرق صوفية، وربط مذهبه بحزب سياسي، وفتن به عدد من شباب الأمة، حتى أذكر أنه قال لي بعض من يعرفون الوضع جيداً في السودان: إنه انتمى إلى الحزب الكفري الإلحادي الذي يقوم على الردة ودعوى النبوة يعني: عدد الذين انضووا إليه يعد بالملايين، فهذه فتنة، واحتسب عليه بعض أهل الحسبة جزاهم الله خيراً وأقاموا عليه الحجة وناظروه، فأصر على الباطل واجتمع أهل العلم والفقهاء وشكلت له لجنة قضائية فاستتابوه فلم يتب، وأخبروه بأن موقفه هذا يقتضي الردة، وأنه سيقتل ردة، فأصر، وعرض على السيف، فأصر على باطله إلى آخر لحظة، والناس من حوله يخوفونه بالله ويلقنونه ويستتيبونه، فلم يتب، فقتل على بدعته وعلى كفرياته، فنسأل الله السلامة.
فمثل هذا استحوذت عليه الشياطين، وهيمنت على جميع تصرفاته، حتى إنه لا يدرك مدى الخطر الذي يقع فيه، وربما تزين له أنه سيقدم على الجنة، وهو مقدم على النار، كما ورد عن الدجال أنه كان يموه على الناس فيريهم أن معه جنة وناراً والأمر عكس ما يريهم.
فالمهم أن موقف الحلاج ليس بغريب من إصراره على الكفر إلى آخر لحظة، وأعود إلى موطن الشاهد وهو أن الذين حضروا مشهد قتل الحلاج هم جماعة من العلماء الثقات وغيرهم، وما نقلوا أنه كتب من دمه هذه الكلمات، ولو شوهد لنقل وفسر بالقاعدة الشرعية المعروفة: أن هذه فتنة وابتلاء، وأنه لابد أن يكون من عمل الشياطين ومن عمل الجن؛ لأنه لا يعقل لإنسان يلحد أن يكرم بهذه الكرامة، وإنما إن حصلت فتكون من الابتلاء ولا شك؛ لأن الله عز وجل تكفل بحفظ الدين وضمن بيان الدين، فلا يمكن أن يلتبس الدين على الناس، وتأتي هذه الحكايات فتكون دليلاً وحجة في دعوى أن هؤلاء على الحق، أبداً هذا لا يمكن.
إذاً: ما يكون في مثل هذه الحالات المشبوهة من مظاهر وخوارق وما يشبه الكرامات فهي من عبث الشياطين، ومن الابتلاء الذي يبتلي الله به العباد؛ لأنهم توكلوا واعتمدوا على غير الله، فوكلهم الله إلى غيره، فوقعوا في الفتنة، نسأل الله العافية والسلامة.
قال رحمه الله تعالى: [وما يحكى عن الحلاج من ظهور كرامات له عند قتله مثل: كتابة دمه على الأرض: الله، الله، وإظهار الفرح بالقتل أو نحو ذلك فكله كذب، وقد جمع المسلمون أخبار الحلاج في مواضع كثيرة، كما ذكر ثابت بن سنان في أخبار الخلفاء، وقد شهد مقتله، وكما ذكر إسماعيل بن علي الحطفي في تاريخ بغداد وقد شهد قتله، وكما ذكر الحافظ أبو بكر الخطيب في تاريخه، وكما ذكر القاضي أبو يعلى في المعتمد، وكما ذكر القاضي أبو بكر بن الطيب وأبو محمد بن حزم وغيرهم، وكما ذكر أبو يوسف القزويني وأبو الفرج بن الجوزي فيما جمعا من أخباره.
وقد ذكر الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي في طبقات الصوفية، أن أكثر المشايخ أخرجوه عن الطريق، ولم يذكره أبو القاسم القشيري في رسالته من المشايخ الذين عدهم من مشايخ الطريق.
وما نعلم أحداً من أئمة المسلمين ذكر الحلاج بخير، لا من العلماء ولا من المشايخ، ولكن بعض الناس يقف فيه؛ لأنه لم يعرف أمره، وأبلغ من يحسن به الظن يقول: إنه وجب قتله في الظاهر، فالقاتل مجاهد والمقتول شهيد، وهذا أيضا خطأ].