حكم سؤال الناس الأموال وغيره

قال رحمه الله تعالى: [وأحاديث النهي عن مسألة الناس الأموال كثيرة، كقوله: (لا تحل المسألة إلا لثلاثة)، وقوله: (لأن يأخذ أحدكم حبله) الحديث، وقوله: (لا تزال المسألة بأحدهم)، وقوله: (من سأل الناس وله ما يغنيه) وأمثال ذلك، وقوله: (من نزلت به فاقة فأنزلها بالناس، لم تسد فاقته) الحديث.

فأما سؤال ما يسوغ مثله من العلم فليس من هذا الباب؛ لأن المخبر لا ينقص الجواب من علمه، بل يزداد بالجواب والسائل محتاج إلى ذلك، قال صلى الله عليه وسلم: (هلا سألوا إذ لم يعلموا؟ فإن شفاء العي السؤال)، ولكن من المسائل ما ينهى عنه، كما قال تعالى: {لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ} [المائدة:101]، وكنهيه عن أغلوطات المسائل ونحو ذلك].

أغلوطات المسائل: هي المسائل الصعبة العويصة المتضمنة للأمور المعضلة التي تحمل شيئاً من المحارات التي تحار فيها العقول، أو هي المسائل التي لا تحدث أو لا يتوقع حدوثها، أو هي المسائل الغريبة، كالافتراضات ونحوها، وكل هذه من الأمور التي لا تجوز في الدين.

وأما مسألة السؤال فأقول: بعض الناس قد يضيّق ويحصر معنى السؤال الذي لا يجوز شرعاً في التسوّل فقط، بينما الأمر فيما يبدو لي من ظاهر النصوص أوسع من ذلك، فالسؤال حتى لو لم يكن سؤالاً باللسان أو سؤالاً باليد، فأحياناً يكون بالفعل وبالتصرفات التي يعملها المسلم حتى يكون عالة على الناس، وهذه الظاهرة كثرت في الآونة الأخيرة عند كثير من أجيال المسلمين أو أبناء المسلمين، لا سيما الذين تطرأ عليهم بعض الظروف الاقتصادية، فيكون عندهم شيء من الشح في المال بعد الغنى، وهذا كثير في بعض الشباب الناشئين، فقد يقعون في مثل هذا وهم لا يشعرون، بمعنى: أنهم قد تعودوا -هذا راجع إلى سوء التربية- مع الأسف بأن يكفوا مؤنتهم وأحوالهم المادية، وأن تُصرف عليهم المصارف الضرورية وغير الضرورية، فإذا طرأت عليهم أمور أو على بعضهم بقي على الحال التي أبقيناه عليها أشبه بالسائل المحتاج، فلا يسعى إلى أن يسد حاجته أو حاجة من يعول، بل يبقى أشبه بالعالة على الآخرين، على الأقارب أو الأعمام أو الأصدقاء أو الجيران أو غير ذلك.

وهذا قد كثر في الآونة الأخيرة، لذا فينبغي لطلاب العلم أن ينبهوا على ذلك، لا سيما أن كثيراً من الشباب -حتى بعض الشباب الصالحين والمتدينين- يأنفون كثيراً من الأعمال، وهذا خطأ، فيبقى عالة على الناس، ويقترض من هذا ويتدين من هذا، ويطلب أمه وأباه وقد لا يملكون شيئاً، أو يطلب إخوانه ومن حوله من الأقارب وقد لا يملكون شيئاً، مع أنه ينبغي عليه أن يبحث عن عمل مباح، حتى يسد حاجته وحاجة من يعول، وكثير من الشباب الآن حرم الفرص والوظائف؛ لأنه ليس بمستعد أن يعمل بألف أو ألفين أو خمسمائة ريال أو نحو ذلك، وهذا خطأ، بل ينبغي لأي شاب يحتاج للعمل مهما كان الأجر أن يعمل، وهو بذلك مأجور، وقد يعينه الله عز وجل ويسدده، وقد يكون أيضاً هذا العمل وسيلة إلى أن يرتقي إلى ما هو أوسع وإلى ما يطمح إليه.

أقول: إن كثيراً من شبابنا اليوم قد حرموا كثيراً من الوظائف؛ بسبب أنهم تعودوا على البذل والعطاء ممن كانوا يقومون على إعالتهم، كما أنهم قد تعودوا أن تكون جيوبهم مليئة، فلا يرضى الواحد منهم أن يعمل بالمبلغ الزهيد، وهذا خطأ، ولذا فإذا ما وجد الشاب ما يسد حاجته إلا بأن يعمل بمبلغ زهيد فليعمل، بل يجب عليه أن يعمل ولا يمد يده كل يوم للناس، حتى في مصاريفه الضرورية، ولذلك فإن هذه المسألة من أهم المسائل التي تتعلق ليس فقط بتربية الشخص، أو في الأحوال المادية والاقتصادية، بل تتعلق حتى بالعقيدة، فيعد ترك العمل ضعفاً في التوكل على الله، وعدم العمل بما أمر الله به من أن يكون المسلم عزيزاً، وأن تكون يده عليا، وأن يأنف أن يكون في مقام السائل.

الخلاصة: أن السؤال ليس محصوراً في مد اليد أو السؤال باللسان أو الإلحاح، بل السؤال يتضمن أيضاً أن يقعد القادر عن العمل فيكون عالة على غيره، وهو في الحقيقة قد وقع في الإثم فضلاً عن الذلة، لذا فينبغي لطلاب العلم أن ينبهوا شبابنا على هذه المسألة؛ حتى لا تستفحل في المجتمع المسلم، مع أنه في الآونة الأخيرة قد كثرت هذه الظاهرة؛ بسبب الظروف والأحوال التي اضطرت الناس إلى ذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015