قال رحمه الله تعالى: [كما يرى في أحوال منحرفة أهل العلم من تحريف الكلم عن مواضعه، وقسوة القلوب، والبخل بالعلم، والكبر، وأمر الناس بالبر ونسيان أنفسهم وغير ذلك.
وكما يرى في منحرفة أهل العبادة والأحوال من الغلو في الأنبياء والصالحين، والابتداع في العبادات، من الرهبانية والصور والأصوات.
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم، فإنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله) ولهذا حقق الله له نعت العبودية في أرفع مقاماته حيث قال: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا} [الإسراء:1]].
هذا فيه تقرير بأن العبودية هي أعلى المقامات التي يمكن أن يصل إليها البشر، بعكس ما يتوهمه كثير من أهل التصوف والفلسفة، وأيضاً كثير من الجهلة الذين يتوهمون أن التعبد لله عز وجل فيه نوع من القيود والاستذلال للبشر، بل الأمر بعكس ذلك؛ لأن التذلل لله عز وجل بالعبودية هي الكمال الذي يطمع إليه البشر، ولذلك وصف الله رسوله صلى الله عليه وسلم بالعبودية في أعلى المقامات، وذلك عندما أسرى به إلى بيت المقدس، ووصفه بها عند المقام المحمود الذي وعده الله به يوم القيامة، ووصفه بها في مقام الوحي، ووصفه بها في مقام الصلاة والقيام لله عز وجل بالعبادة.
إذاً: فالعبودية لله هي أعلى مقام يسعى إليه البشر، وأعلى مقام يمكن أن يصل إليه بشر؛ لأن ذلك يعني الاستجابة لله عز وجل وتحقيق رضاه.
قال رحمه الله تعالى: [وقال تعالى: {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} [النجم:10].
وقال تعالى: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا} [الجن:19]، ولهذا يشرع في التشهد وفي سائر الخطب المشروعة، كخطب الجمع والأعياد، وخطب الحاجات عند النكاح وغيره أن نقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله].
الشاهد هنا: الشهادة للنبي صلى الله عليه وسلم بالعبودية، وأنها من أعظم ما يمكن أن يحتسبه المسلم عند الله عز وجل؛ ولهذا شرع في التشهد وغيره أن يقول المسلم: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فالشهادة لرسوله صلى الله عليه وسلم بالعبودية تعتبر من أعظم ما يحتسبه المسلم ويدين الله به؛ لأن ذلك أعلى المقامات للبشر.