قال رحمه الله تعالى: [ما تقول السادة العلماء أئمة الدين، وفقهم الله لطاعته فيمن يقول: لا يستغاث برسول الله صلى الله عليه وسلم، هل يحرم عليه هذا القول؟ وهل هو كفر أم لا؟ وإن استدل بآيات من كتاب الله وأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم هل ينفعه دليله أم لا؟ وإذا قام الدليل من الكتاب والسنة فما يجب على من يخالف ذلك، أفتونا مأجورين؟].
قد تلاحظون من السؤال شدة التباس الأمر على السائل، وهذا يدل على أن تلبيس أهل الأهواء والبدع على المسلمين قد وقع موقعه في قلوب كثير من العامة في ذلك العصر، فكيف بعصورنا المتأخرة؟! إذاً: تلبيس أهل الأهواء والبدع على الناس، وقلبهم للحقائق حتى جعلوا الحق باطلاً والباطل حقاً.
والسؤال هنا يجعل القارئ يتردد: هل القصد بالحكم بالكفر على من قال السنة أو على من قال البدعة؟ وعلى أي حال فالسؤال يتعلق بالاستغاثة بالمخلوق، ويدل السؤال على أنه قد وجد في عهد شيخ الإسلام ابن تيمية من أهل الأهواء والبدع والطرق والفرق والجماعات من جعل الاستغاثة برسول الله صلى الله عليه وسلم من دون الله عز وجل من أساسيات الدين، وجعل الاستغاثة بالمخلوق من أعظم العبادة، حتى إنهم ظنوا أن من أنكر هذا فهو كافر، ولذلك تجد السؤال فعلاً يظهر من خلال سياقه اللبس.
وكما أنه معلوم -كما يقرره الشيخ- أنه لا يجوز الاستغاثة والاستعانة بغير الله عز وجل من باب الدعاء، أو فيما لا يقدر عليه إلا الله.
والسؤال فيما يظهر أنه ليس فيما يقدر عليه المخلوق؛ لأن ما يقدر عليه المخلوق أمر لا يحتاج إلى سؤال، وليس هو محل إشكال؛ لأنه بدهي فطري، فلا معنى أن تقول لأخيك: ناولني القلم، فهذه استعانة، لكن استعانة بما يقدر عليه، وليس فيها أي حرج، ولا يرد فيها أي إشكال، وإنما ورد الإشكال في الأمور البدعية والشركية، والاستعانة بغير الله عز وجل، والاستغاثة بغير الله عز وجل فيما لا يقدر عليه إلا الله، وصرف العبادة لغير الله.
إذاً أقول: هذا الأمر الصريح الشركي في خروجه عن العقيدة والدين قد صار محل إشكال؛ بسبب تلبيس الملبسين من أهل البدع والأهواء.