إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فلا زلنا في موضوع الاستغاثة والاستعانة والاستشفاع ومعانيها الشرعية، وما ينافي المعاني الشرعية من المفاهيم والمعاني البدعية.
قال رحمه الله تعالى: سئل شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية رضي الله عنه: ما تقول السادة العلماء أئمة الدين، وفقهم الله لطاعته فيمن يقول].
من الأشياء التي ينبغي على طلاب العلم أن يتفطنوا لها التنبيه على ما كان عليه سلف هذه الأمة من التأدب مع كل من له قدر، فتلاحظون في صيغة السؤال ما هو سائد عند المسلمين في جميع الأعصار والأمصار إلى وقت قريب، ولا يزال على هذا كثير من طلاب العلم، لكن ظهرت عند بعض الناس مظاهر الجفوة؛ لأسباب كثيرة لسنا بصدد ذكرها، لكن أحب أن أنبه إلى أن مثل هذه الصياغة التي قدم بها السائل لشيخ الإسلام ابن تيمية هي مقتضى الأدب، وينبغي أن ننبه على ذلك، بل يجب على طلاب العلم أمثالكم أن ينبهوا على تربية أبناء المسلمين في هذا العصر على مثل هذا الأدب مع كل مَن مِن حقه الأدب: كالأدب مع الوالدين، والأدب مع الإخوة، والأدب مع طالب العلم، والأدب مع العالم، والأدب مع المسئول ومع الوالي، والأدب مع كل من كان له اعتبار في المجتمع، أو له اعتبار يستحق به أن يكون من أصحاب المقامات، سواء كانت مقامات شرعية، أو مقامات اعتبارية، أو مقامات اجتماعية لها وزنها في العرف العام وغيرها.
لذا كان أصحاب المقامات لا بد أن نخاطبهم بقدر مقاماتهم، ولذلك كان خطاب الأنبياء لكبراء القوم فيه شيء من اللين، وشيء من اعتبار المقام كما أرشد الله نبيه موسى عليه السلام في خطابه لفرعون: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً} [طه:44]، فكان توجيه الله عز وجل لأنبيائه ورسله أن يخاطبوا الناس بقدر عقولهم، وأن يخاطبوا الملوك والعظماء بقدر مقاماتهم؛ لأن هذا أدعى للين القلوب ورقتها وقبولها للحق.
ثم بعد ذلك نجد أن هذا من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، فكان يقدر للناس أقدارهم، ولذلك كان يخص المؤلفة قلوبهم بما لا يخص غيرهم من الامتيازات، حتى كبار الصحابة، الامتيازات المادية والاعتبارات والجاه وغير ذلك، وخير مثال على ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يؤلف قلب أبي سفيان رضي الله عنه في أول إسلامه قال: (من دخل دار أبي سفيان فهو آمن)، وكان يمكن لو كان على فكر بعض الناس اليوم لقال: هذا صعلوك، إن شاء أسلم، وإن شاء لم يسلم.
يمكن أن يقول بعض الناس هذه المقالة على مبدأ كثير من الناس، أو كثير من المتعالمين اليوم.
ولذا نجد هذا أيضاً في صور كثيرة من كبار الصحابة والتابعين ومن تبعهم من أئمة الهدى، أعني: التأدب واعتبار المقامات للناس.
مع أن هذا السؤال ليس غريباً، فهو لشيخ الإسلام ابن تيمية، لكن مع ذلك أقول: إنه قاعدة لكل من أراد أن يتعامل مع الآخر بأن يقدر له قدره.