وهذا السادس من صور الفروق.
قال رحمه الله تعالى: [وقد اتفق المسلمون على أن نبينا شفيع يوم القيامة، وأن الخلق يطلبون منه الشفاعة، لكن عند أهل السنة أنه يشفع في أهل الكبائر، وأما عند الوعيدية فإنما يشفع في زيادة الثواب].
الشفاعة أولاً توقيفية.
والأمر الآخر: أنها يوم القيامة بشروطها المعروفة، وقد ذكرها الله عز وجل فهي قاطعة، وذلك حينما لا يكون هناك أعمال، ولا تسحب أحكام الشفاعة في الآخرة على أحكام الشفاعة في الدنيا، أو العكس، فلا تسحب أحكام الشفاعة في الدنيا على أحكام الشفاعة في الآخرة؛ لأنها توقيفية، والشفاعة إنما تكون بعد أن تنتهي الأعمال، وأنها أيضاً لها شروط في الشافع والمشفوع له.
وأما المقصود بالوعيدية فهم المعتزلة والخوارج؛ وسموا بالوعيدية لأنهم جعلوا الوعيد هو الأصل ولم يستثنوا فيه، ولم يعولوا على الوعد، مع أن الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم قد استثنيا، والوعيد أمر راجع إلى اختيار الله عز وجل وتقديره ورحمته بعباده، فإن شاء أنفذ وعيده، وإن شاء لم ينفذه، فإن أنفذه فذلك بعدله سبحانه، وإن لم ينفذه فذلك برحمته سبحانه.
فهم قد حكموا على الله عز وجل كما يحكمون على الخلق، فقالوا: بأنه لا يجوز له أن يفعل ذلك، بل حكموا على الله بأسوأ مما يحكمون على الخلق؛ لأن هؤلاء المعتزلة والخوارج لو قال لهم إنسان: إن فلاناً من الناس سلطاناً أو أميراً أو والياً أو والداً هدد واحداً من رعيته ثم عفا عنه.
لقالوا: هذا والله كرم وكمال، لكن لما عرفوا وسمعوا أن الله عز وجل يعفو عمن يشاء من عباده ضاقوا بذلك، وحكموا بالوعيد، وقالوا: أبداً، بل يجب على الله أن ينفذ وعيده، فسمى المعتزلة والخوارج هذا الأمر: إنفاذ الوعيد، فلذا سموا: الوعيدية، وقالوا: لا يجوز لله عز وجل -تعالى الله عن ذلك، وهذا سوء أدب مع الله عز وجل، ولولا أنهم حكوه ما حكيناه، لكن الله عز وجل قد حكى أقوال أهل الكفر للتنفير منها، ونحن نحكي أقوال أهل البدع للتنفير منها- ولا ينبغي له أن يغفر أو يعذب، فيخرج من النار بعد العذاب إلخ، وقالوا: بوجوب إنفاذ الوعيد على الله سبحانه، وكأنهم أوجبوا على الله ما لم يوجبه على نفسه.