قال رحمه الله تعالى: [ولكن إذا أراد التخلص من هذا الشرك، فلينظر إلى المعطي الأول مثلاً، فيشكره على ما أولاه من النعم، وينظر إلى من أسدى إليه المعروف فيكافئه عليه؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (من أسدى إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئوه فادعوا له، حتى تروا أنكم قد كافأتموه)؛ لأن النعم كلها لله تعالى كما قال تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل:53]، وقال تعالى: {كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ} [الإسراء:20]، فالله سبحانه هو المعطي على الحقيقة، فإنه هو الذي خلق الأرزاق وقدرها وساقها إلى من يشاء من عباده، فالمعطي هو الذي أعطاه وحرك قلبه لعطاء غيره، فهو الأول والآخر.
ومما يقوي هذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم لـ ابن عباس رضي الله عنهما: (واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف)، قال الترمذي: هذا حديث صحيح.
فهذا يدل على أنه لا ينفع في الحقيقة إلا الله، ولا يضر غيره، وكذا جميع ما ذكرنا في مقتضى الربوبية.
فمن سلك هذا المسلك العظيم استراح من عبودية الخلق ونظره إليهم، وأراح الناس من لومه وذمه إياهم، وتجرد التوحيد في قلبه، فقوي إيمانه، وانشرح صدره، وتنور قلبه، ومن توكل على الله فهو حسبه، ولهذا قال الفضيل بن عياض رحمه الله: من عرف الناس استراح.
يريد والله أعلم: أنهم لا ينفعون ولا يضرون].