قال شيخ الإسلام قدس الله سره: [وكذلك الغلو في بعض المشايخ: إما في الشيخ عدي ويونس القيني أو الحلاج وغيرهم، بل الغلو في علي بن أبي طالب رضي الله عنه ونحوه، بل الغلو في المسيح عليه السلام ونحوه.
فكل من غلا في حي، أو في رجل صالح؛ مثل علي رضي الله عنه أو عدي أو نحوه، أو فيمن يعتقد فيه الصلاح كـ الحلاج أو الحاكم الذي كان بمصر].
الحاكم الذي كان بمصر هو الحاكم العبيدي؛ فإن العبيديين الذين بنوا القاهرة في مصر أسسوا كثيراً من الأحوال المعمارية والمدنية، حكموا مصر مائتي سنة، وهم على مذهب الباطنية، ثم انتهى أمرهم بمجيء صلاح الدين الأيوبي رحمه الله.
والمقصود هنا: أن من يُتعصب له من الشيوخ قد تكون حاله المعروفة والمستفيضة أنه من الأولياء والصالحين وأهل الاقتداء، لكن الإشكال الأكثر أن يكون المقتدى به يظن فيه أنه من أهل الولاية والصلاح مع أن عنده انحرافاً عن السنة وأصول السنة والجماعة؛ ولذلك قال المصنف: (فيمن يعتقد فيه الصلاح كـ الحلاج)؛ فإن الحلاج كان رجلاً مائلاً إلى التصوف الفلسفي، وله كلام في وحدة الوجود، ونقلت عنه أمور كثيرة وكتب على وجه من الانحراف في الديانة، فلم يكن رجلاً محمود الحال، وقد افتتن به كثير من العامة، لكن هذا الافتتان من العامة ببعض الخاصة المنحرفين عن أصول السنة وأصول الإسلام العامة، لا يجوز أن يحكم على المفتتنين بهذا المعين بالحكم الذي يحكم به على ذلك المعين؛ لأن العامي قد يظن فيه خيراً، وخاصة في باب التصوف؛ فإن الخفاء فيه كثير؛ لأن السر فيه كثير، واللغة فيه لغة تقوم على الرمز، حتى إن ابن تيمية رحمه الله كان يقول: "إني كنت وبعض الإخوة نقرأ في الفتوحات المكية لـ ابن عربي " مع أنه إذا قرأت في آخر كلام ابن تيمية وجدت ماذا يقول في ابن عربي؛ وذلك لأن بعض كلام هؤلاء يكون مقبولاً، وبعضه يكون مجملاً، وبعضه قد لا يصل إليه العامة، فلا يلزم أن العوام يعطون حكم الخواص باطراد، بل نظرية الاتباع والقياس هذه إنما تقال في الأمور الكلية، كالقول: إن الانتساب لهذا الرجل بدعة، أما الحكم التفصيلي فإن كل معين يعطى حكماً تفصيلاً بحسب ما علم من حاله المعين، أما أن يقال: أتباع فلان كلهم على مذهب فلان وعلى حكم فلان، فهذا ليس بلازم.
[أو يونس القيني ونحوهم، وجعل فيه نوعًا من الإلهية مثل أن يقول: كل رزق لا يرزقنيه الشيخ فلان ما أريده].
في كلام بعض أهل العلم أن الرسل بعثوا بتوحيد الألوهية، وأن توحيد الألوهية حقيقته يتضمن القول في الربوبية، فمن لم يعبد الله سبحانه الخالق الرازق لم يحقق لا توحيد الألوهية ولا توحيد الربوبية.
لكن فقه توحيد الربوبية مهم، وهذا لا يعني التقصير في العناية بتوحيد الألوهية، لكن إنما كان مهماً لأنه هو معرفة الله سبحانه وتعالى، وهو أصل الدين الذي هو التوحيد، والتوحيد واحد، وهو معرفة الله وإفراده بالعبادة، وتقسيم أهل العلم للتوحيد إنما هو من باب الترتيب العلمي.
فالتوحيد حقيقته الشرعية معرفة الله، كما يقول ابن تيمية: "التوحيد معرفة الله وعبادته" أي: إفراده بالعبادة" فقضايا توحيد الربوبية تخفى على كثير من العوام، وهناك مصطلحات يجب الابتعاد عنها؛ فمثلاً: مصطلح الولي مصطلح شرعي، ومصطلح العارف وإن كان مصطلحاً ليس منصوصاً عليه شرعاً، لكن شأنه مقارب الحال، فهو لا يحمل معنى بعيداً مخالفاً للشرع؛ لأن العارف من المعرفة، والمقصود بالمعرفة هنا المعرفة بالشريعة والحقائق الشرعية، فهو مصطلح فيه سعة إذا ما اقتصد في تفسيره.
لكن ظهرت مصطلحات في بعض أحوال السلوك؛ كمصطلح القطب والغوث، فهذه المصطلحات يجب أن يبتعد عنها الخاصة والعامة من المسلمين السالكين؛ لأن فيها إدخالاً لمسائل التأثيرات القومية لبعض الشيوخ، وإعطاءهم بعض هذه الخصائص، وهذا من أوجه الانحراف عن توحيد الربوبية.