كتكميل للقول في التعصب، وقد أشرت إلى ظهور التعصب الفقهي، أو نسميه: التقليد الفقهي، مع أن الاسمين بينهما اختلاف.
أقول: إن التقليد الفقهي هو آخر هذه الانتظامات وجوداً، مع أنه من حيث الإمكان الشرعي العام ومن حيث الاقتضاء العقلي هو أفضل شرعاً وعقلاً من وجود التعصب العقدي والتعصب السلوكي؛ وذلك لأن الجانب الفقهي الذي هو مسائل الفروع، كثير منها -أو أكثرها- يدخلها الاجتهاد، فإن المختلف فيه من مسائل الفقهاء أكثر من المجمع عليه بين الفقهاء، فإن المختلف فيه بين الفقهاء قد تكلم فيه الأئمة بكلام ظهر لأجله في تاريخ الإسلام مدارس، ولا تزال قائمة إلى اليوم، وقد كانت أكثر من العدد الموجود، ثم انتظمت أو استقرت على أربع مدارس، وهي مدرسة: المالكية -بعبارة أصح؛ لأن مالكاً ما قصد أن يصنع مدرسة-، مدرسة المالكية والحنبلية والشافعية والحنفية.
هذا الذي يسمى بالتمذهب، أو المذهبية الفقهية، هل يقال أنها صحيحة أو ليست كذلك؟
أولاً: هذا الاسم -أعني: التمذهب- يمكن أن يختصر القول فيه بأنه اسم مشترك، وهو من حيث الواقع التاريخي تمثل في وجهين:
الوجه الأول: يسمى سائغاً شرعاً.
الوجه الثاني: يسمى مذموماً شرعاً.
فإن التقليد منه ما هو سائغ، ومنه ما ليس كذلك.