ثم ظهرت الطبقة الثانية، وهي ما يمكن أن نسميها بالتصوف المنظم علمياً، فقد استعمل أصحابه تنظيماً علمياً لتفسير السلوك والأحوال والعبادة والعمل بالإسلام، فصاروا يستعملون مصطلح البقاء والفناء كمصطلحين بينهما تقارب، ومصطلح الجمع والتفرقة، ومصطلح الصحو والسكر، ومصطلح الكشف، ومصطلح الذوق، وصاروا يرتبون المقامات: العارف من حيث الرتبة الشخصية، ويأتي دونه المريد، ومتى ينتقل المريد من كونه مريداً إلى كونه عارفاً، والدرجات التي بين هذا وهذا، وصاروا يتكلمون في مسألة المقام والحال.
وقد تكون هذه الإشارات عند الصوفية والفرق بين المقام وبين الحال في أواخر المائة الثانية فيما يظهر من حيث الاستقراء، ثم انتشرت فيما بعد في المائة الثالثة، حيث انتظمت أكثر وصارت من المصطلحات الشائعة عند الصوفية، وصار الوصول إلى تحقيق ماهية التصوف يحتاج إلى فقه في هذه الإشارات والمصطلحات.
ولا شك أن التصوف الذي وصل إلى هذه الدرجة تصوف غير مشروع وليس على السنة، وقد أغلق باب العمل في الإسلام عن كونه باباً مبنياً على قواعد الفطرة وأصول العقل التي نزل الوحي موافقاً لها.