القسم الثالث: وهو الاقتتال الذي حصل بين الصحابة رضي الله عنهم أنفسهم في معركة الجمل، وأشد منه في معركة صفين، وهذا القتال فيه جملتان:
الجملة الأولى: أن الأصل عند أهل السنة والجماعة الإمساك عما شجر بين الصحابة رضي الله عنهم، فينبغي أن يقال للعامة -وهذا جواب الإمام أحمد لبعض العامة الذين سألوه عن الخلاف الذي وقع بين الصحابة-: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [البقرة:134].
لكن هذا الإمساك الذي يذكره أئمة السنة في كتب أصول الدين لا يعني عدم التحقيق لجمل وكلمات بينة في السنة، ومن هذه الكلمات: أن علياً هو الخليفة الراشد بعد عثمان، وأن خلافته حتى مع قتال معاوية ومن معه له أن خلافة علي خلافة شرعية، وقد قال الإمام أحمد: من لم يربع بـ علي بالخلافة فهو أضل من حمار أهله، فخلافة علي بن أبي طالب خلافة شرعية.
ومن الجمل المحكمة: أن علياً أولى بالحق من غيره.
ومن الجمل المحكمة: أن المقاتلين له طائفة باغية من حيث كونهم طائفة؛ لقوله عليه الصلاة والسلام كما في الصحيح: (تقتل عماراً الفئة الباغية)، ولذلك يقول ابن تيمية: "ولم يشك أئمة السنة في أن علياً أولى بالحق من غيره، وأن مقاتليه أو أن الطائفة المقاتلة له باغية، وإن كانوا يترددون في تسمية أعيانهم"، لأن النبي عليه الصلاة والسلام وصف الطائفة، ولا يلزم من هذا أن يوصف المعين، ولا سيما إذا كان المعين صحابياً، بل يوقف كما وقف النص ويقال: الطائفة باغية.
إذاً: الإمساك عما شجر بين الصحابة هو أصل عند أهل السنة، لكن لا يفهم منه أن لا يقال بهذه الكلمات البينة التي جاءت بها النصوص ومضى عليها الأئمة.