فالأول: وهو الذي في زمن الصديق رضي الله تعالى عنه، فهو ثلاث درجات:
الأولى: قوم ارتدوا عن أصل الإسلام، ورجعوا إلى عبادة الأوثان، فهؤلاء لا جدال بين سائر المسلمين أنهم كفار مرتدون.
الثانية: قوم جحدوا وأنكروا وجوب الزكاة، وهؤلاء أيضاً بالإجماع أنهم أهل ردة، وإنما قيل بالإجماع لأنه منضبط، وإلا فهناك شذوذ من بعض الفقهاء المتأخرين من أصحاب الشافعي تكلم في ترددٍ في كون هؤلاء من أهل الردة، فهذا عند بعض أصحاب الشافعي وغيره لا يعتبر.
الثالثة: قوم امتنعوا من دفع الزكاة لـ أبي بكر وأمرائه وسعاته، وتحيزوا بالسيف على منعها، وإن كانوا لم يظهروا جحد وجوبها، هذا هو اللفظ الصحيح، أما الجزم بأنهم لم يجحدوا وجوبها فهذا ليس بلازم؛ لأن هذا الامتناع يقود إلى قدر من الشك في بقائهم على الإقرار بها أو عدمه، فيقال: إنهم منعوا دفعها وتحيزوا بالسيف وإن لم يظهروا إنكار الوجوب.
فهؤلاء أيضاً قاتلهم الصديق والصحابة، والذي مضى عليه كلام جمهور المتقدمين بل عامتهم، حتى حكاه بعض المتقدمين إجماعاً للصحابة -كما يشير إليه أبو عبيد، وكما يذكره ابن تيمية لعامة أهل السنة المتقدمين- أن هؤلاء أهل ردة، وإنما الردة لحقتهم بهذه الأمور المجتمعة، وليس بمحض ترك الزكاة، يقول الإمام ابن تيمية رحمه الله: "إن هذا مذهب أئمة المدينة كـ مالك وأمثاله وأئمة العراق وما إلى ذلك"، وإن كان المشهور عند الفقهاء من أصحاب الأئمة الثلاثة: الشافعي ومالك وأبي حنيفة، وبعض أصحاب أحمد، أن هؤلاء بغاة وليسوا أهل ردة، بل ذكر الخطابي رحمه الله أن الجمهور من الفقهاء على أن هؤلاء من أهل البغي وليسوا من أهل الردة, فهذه من المسائل التي تختلف فيها طريقة جمهور المتأخرين عن طريقة جمهور المتقدمين.