الخروج عن الوسطية الشرعية بأصولها الثلاثة يكون القول فيه على وجهين:
الوجه الأول: يتعلق بالخاصة.
الوجه الثاني: يتعلق بالعامة.
فإن الناس إما خاصة وإما عامة، وهذا الاصطلاح ليس اصطلاحاً بدعياً، بل هو اصطلاح مستعمل في حقائق الكلام وكلام العرب، وقد استعمله بعض الأئمة المعتبرين كالإمام الشافعي؛ فإنه يوجد في كلامه في الأم والرسالة ونحوها ذكر الخاصة والعامة.
والمقصود بالخاصة: الخاصة من أهل العلم والإمامة في السلوك ونحو ذلك، والعامة: هم من عوام المسلمين الذين لا يصلون إلى هذه الرتبة من الفقه بأصول الشريعة أو الإمامة في وجه من أوجهها.
فإذا جئنا للخاصة والعامة في الصوفية، وعرفنا أنهم طبقات مختلفة: فمنهم المقتصدون، وهم من يسميهم ابن تيمية بفضلاء الصوفية، ومقتصديهم ومقاربيهم للسنة والجماعة، أو يسميهم أصحاب السنة والحديث، أو جئنا إلى من فوقهم من المتأثرين بطرق المتكلمين ونحوها، أو جئنا للغلاة المتأثرين بأوجه الفلسفة، فإن الخاصة موجب خروجهم عن الوسطية أمور، وسنذكر هنا أمراً واحداً بالتفصيل؛ لأن المصنف أشار إليه في هذه الرسالة، وهو الاجتهاد المخالف للشريعة، هذا هو الموجب للخروج عن أصول الوسطية الثلاثة في حق الخاصة، وهو أخص الموجبات، ولا نقول: هو الموجب الفرد.
أما إذا جئنا للعامة فإن أخص موجبات الخروج عن الوسطية في حقهم هو التعصب، وسيأتي بيانه لاحقاً.
أما أصول الوسطية الثلاثة فقد يكون الخروج عنها خروجاً مقتصداً في حق مقتصدة الصوفية الذين يسميهم ابن تيمية: فضلاء الصوفية.
وقد يكون الخروج عن الوسطية الشرعية بأصولها الثلاثة فوق هذا، وهذا يكون في حق من هم فوق هذه الدرجة، وقد يكون الخروج عن هذه الوسطية خروجا غالياً، وهذا يكون في حق الغلاة ولعله بهذه الطريقة قد انتظم رسم المنهج.