قال المصنف: [وَقَوْلُ الْوَاحِدِ مِنَ الصَّحَابَةِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى غَيْرِهِ، عَلَى الْقَوْلِ الْجَدِيدِ، وَفِي الْقَوْلِ الْقَدِيمِ: حُجَّةٌ] .
هذا نوع آخر من أنواع الأدلة، وهو من الأدلة المختلف فيها، وهو: قول الصحابي، أي: مذهبه.
والصحابي: هو من صحب النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به على الوجه المتعارف به في الدنيا، ومات على ذلك، ولو تخلل ذلك رِدَّةٌ على الصحيح.
وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هم أفضل هذه الأمة وأعلاها قدراً ومنزلة، وإن كانوا غير معصومين، إلا أنهم أولى بالمغفرة ممن بعدهم؛ لسابقتهم في الإسلام، وصحبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم أجدر الناس بشفاعته صلى الله عليه وسلم؛ لمعرفته لهم، لذلك فهم جميعاً عدول بتعديل الله تعالى لهم -كما سبق- ففي باب النقل والرواية: لا شك أن قول الصحابي حجة مطلقاً، سواء عُرف اسمه أم لم يعرف، فكل من ثبتت صحبته إذا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد ثبت ذلك القول عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يُبحث في ترجمة ذلك الصحابي، ولا في مستوى عدالته وضبطه، فهم جميعاً عدولٌ أهلُ ضبطٍ.
وأما فيما يتعلق بالاجتهاد، فالذين بلغوا رتبة الاجتهاد من الصحابة: عدَّهم النسائي واحداً وعشرين، وعدَّهم الغزالي تسعةً، وعدَّهم ابن حزم: ثمانيةَ عشر، هؤلاء هم الذين بلغوا رتبة الاجتهاد، الذين تُروى عنهم الفتيا والقضاء.
وقولُ بعضهم ليس حجةً على بعض، فليس قول أحد من الصحابة حجة على غيره من الصحابة، إذْ هم جميعاً مشتركون في هذه المزية التي سبقت بلُقْيا رسول الله صلى الله عليه وسلم والرواية عنه والسماع منه، وقد يسمع بعضهم ما لم يسمعه غيره، فليس قول بعضهم حجة على بعض.